الرحمة المهداة للعالمين..؟
عاش محمد بن عبد الله يتيما و فقيرا و ضالا عن هداية الله كبقية خلق الله مدة أربعين سنة﴿ووجدك ضالا فهدى﴾...! ثم اجتباه ربه من بين جميع البشر ليكون المبلغ عن الله كلماته إلى الناس كافة، وقد كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مستوى التكليف والمسؤولية الملقاة على عاتقه، فاستوعب آيات الله البينات، وآمن بها وانصاع لكل أوامرها و نواهيها ... وجسدها في أخلاقه ومعاملاته ومعتقداته ونظرته لكل تفاصيل الحياة البشرية أحسن تجسيد ممكن في زمانه! فكان: ﴿ خلقه القرآن﴾، واستطاع بثباته و بصبره على أذى قومه بمكة أن يؤسس مجتمعا إسلاميا بالمدينة – بعد هجرته إليها- يدين بالإسلام في جميع مناحي الحياة الثقافية والسياسية الإجتماعية والإقتصادية والتشريعية..!
إن آيات الله الموحى بها إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تتناول كلها الحقائق والمفاهيم الثابتة في الكون والإنسان والحياة لأنها من عند العزيز العليم‘ رب السماوات والأرض، وربّ العالمين، وهي حقائق لا تتبدل ولا تتغير منذ خلق الله الكون والإنسان والحياة، وقد أوحى الله بهذه الحقائق الأزلية إلى كل أنبيائه عليهم السلام ‘ بلغاتهم المختلفة لتكون للمؤمنين بهؤلاء الأنبياء النور الذي به يهتدون في ظلمات الحياة ودروبها المتشعبة المدلهمة، و قد انصاعوا إليها جميعا و جسدوها في حياتهم كل حسب ظروفه التاريخية و الحضارية و المعيشية‘ يقول الله العليم الحكيم:﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب﴾(سورة الشورى الآية 13).
لقد جاءت كلمات الله البينات لتفك كل رموز الحياة وتصحح مفاهيم الإنسان عن حقيقة الألوهية والربوبية و حقيقة الكون والإنسان والحياة ..و تفضح أهل الكتب السابقة و ما ادخلوه من بدع و ضلالات و تحريفات لأديانهم ..!!؟ وتجعل الإنسان على بينة من أمره ليحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وهي مهمة قد تكفل الله بها منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض:﴿ قلنا إهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (سورة البقرة الآيتين 38 و39).
وقد شاءت حكمة الله عز وجل أن يجعل من أسباب الحياة الطيبة الهنية الإهتداء بآياته البينات في جميع مناحي الحياة، يقول الله عز وجل:﴿ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى﴾ (سورة طه الآيات 123و124و125و126 ).
لقد كرّس الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم كل حياته في سبيل إنارة درب أمته الإسلامية بمفاهيم الإسلام الصحيحة المبنية على بصائر القرآن و معاييره الربانية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها.. وجعلها:﴿ خير أمة أخرجت للناس﴾ للشهادة عليهم وقيادتهم وإخراج من شاء منهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده خالق الكون والإنسان والحياة الجدير بالعبادة، ومن ضيق الدنيا - بفعل الأغلال والتقاليد التي يكبلون بها أنفسهم - إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان الباطلة و المزيفة التي يصنعها رجال الدين!؟ إلى عدل الإسلام ورحمة الله التي وسعت كل شيء، قدوته في كل ذلك جميع الأنبياء السابقين‘ عليهم السلام.. ما داموا يشتركون جميعا في حمل نفس الرسالة و نفس الثوابت و البصائر الأزلية الموحى بها من الله رب العالمين: ﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم. وإن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون﴾ (سورة المؤمنون الآية 51 و52). إن إقتداء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالرسل من قبله يأتي من منطلق وحدة الرسالة الإلاهية و القوانين الأزلية التي بشروا بها أقوامهم على اختلاف أزمانهم وأوطانهم..! كما يأتي استجابة لأوامر الله عز وجل الذي قص عليه قصصهم في القرآن مع أقوامهم وكيفية تعامل كل واحد منهم مع قومه في التبشير والإنذار بالرسالة الإلاهية الواحدة (توحيد الله)التي كلفوا جميعا بإبلاغها إلى أقوامهم في إطار من الوضوح والبيان .. يقول الله عز وجل : ﴿ أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين. أولئك الذين هدى الله فبهداهم إقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين﴾ (سورة الأنعام الآيتين 89 و90).
لقد حد "بديع السماوات و الأرض" حدودا معلومة و ضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته .. تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات و تضمن بها لنفسها صيرورة سالكة و حياة طبيعية هانئة..إن خروج أين من هذه الكائنات عن حدود الله و نظامه البديع وسننه الدقيقة في الكون و الحياة ‘الذي أبدعه الله بقدرته الفائقة و حكمته الأزلية .. يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها لتوازنها الحيوي واندثارها أو موتها و هلاكها.. فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له يعني حتمية احتراق الكون برمته .. كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته..أو تحطم السيارة أو الشاحنة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها ..!؟ كذا تضطرب حياة بني آدم و تنتابهم شتى الأمراض والمهالك و العلل إن هم حادوا قليلا أو كثيرا عن ﴿الصراط المستقيم ﴾المعبد لهم للسير فيه منذ الأزل‘ و قد فصلت لهم معالمه تفصيلا بينا في كل الكتب الإلاهية التي لم تطلها يد التحريف أو التأويل أو التشويه.. و قد عمل كل الأنبياء عليهم السلام على تذكير أقوامهم بمختلف معالم هذا ﴿الصراط المستقيم﴾ منذ نوح عليه السلام و انتهاء بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن الزيغ عن قوانين الله الأزلية و سننه الفطرية التي فطر الناس عليها يعني حتمية نيلهم الخزي و الشقاء في الدنيا و خلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
فالله عز وجل قد أبان للإنسان المنهج الحق والشريعة الحق منذ خلق آدم عليه السلام‘ لذلك نجده عز وجل يخاطب عبده آدم عليه السلام قائلا: ﴿اهبطوا منها جميعا – الجنة- فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾(سورة البقرة الآيتين 38 و39 ).
كما نجد الله عز وجل يذكر المسلمين دائما بأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكل الكتب الإلاهية السابقة له:﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾(سورة الأعلى الآيتين 18و19) وعندما يخاطب الله بني إسرائيل يقول لهم:﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون﴾ (سورة البقرة الآيتين 40 و41). كما أن عقيدة المؤمن مبنية أساسا على الإيمان بالله وجميع كتبه ورسله... يقول الله عز وجل:﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (سورة البقرة الآية 285 ). وعندما يأمر الله عز وجل المؤمنين بصيام شهر رمضان يذكرهم بأن فريضة الصيام قد فرضت على المؤمنين من أتباع الرسل السابقين أيضا: يقول الله تبارك وتعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾(سورة البقرة الآية 183). وكثيرا ما ذكر القرآن المؤمنين أنه يريد أن يهديهم ﴿سنن الذين من قبلهم﴾ من عباد الله الصالحين..والحاصل أن شريعة الله مكتملة منذ خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وقرر أن يجعله خليفة في الأرض، فأوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان، وكانت المهمة الأساسية لرسل الله عليهم السلام تذكير أقوامهم بها ليسير على هديها من شاء ويكفر بها من شاء، والمتبعون لها يسميهم الله:«المؤمنون والمهتدون وأولو الألباب وأولو العلم...» وغير المتبعين لتعاليم الله يسميهم الله:« المشركين والكفار والمنافقين والعصاة والظالمين والذين لا يعقلون والجاهلين.. كما يشبههم الله عز وجل بالأنعام﴿ بل هم أضل﴾... وبالتالي لم يترك الله إمكانية للإجتهاد البشري في الدين ولو كان هذا المجتهد نبيا أو رسولا. فالتشريع و تحديد المعايير للسلوك البشري .. قد اختص الله به دون سائر البشر‘ وكل ما يحتاجه المؤمن في حياته الدنيا قد فصل الله فيه القول تفصيلا..! وقد أعلمنا الله عز وجل أنه:﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ و﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾. وهذا الإخبار القرآني باكتمال شريعة الله وتفصيل كل دقائقها ينزع عن المجتهدين في الدين و الفقهاء الإسلاميين أي مشروعية، بل إن الله يعتبر أن أتباع هؤلاء المجتهدين في الدين :﴿ قد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم﴾ كما فعل اليهود والنصارى من قبل ‘وبالتالي فان المجتهدين في الدين وأتباعهم هم كفار ومشركون في المفهوم القرآني! فالمؤمن بالله حق الإيمان المقتنع بربوبية الله عز وجل لا يحتاج لانتهاج السلوك القويم إلاّ لكتاب الله الذي أنزل( الكتاب و الميزان﴾ آيات بينات/ بصائر إلاهية استطاع محمد صلى الله عليه وسلم - قدوة جميع المؤمنين- وأنصاره من الأميين المؤمنين فهمها واستيعابها بحسب معطيات عصرهم الحضارية لأنها آيات بينات‘وإقامة دولة إسلامية قوية على أساسها..أوصلت تعاليم الله و شريعته و معاييره و قرآنه إلى أقاصي الأرض.!
لقد بدأ الصراع بين الحق و الباطل منذ أن بدأت الحياة على الأرض..! و قد ألهب شرارة هذا الصراع إبنا آدم عليه السلام.. و بدأ الصراع بين متبع لهداية الله المفصلة في الكتاب المنزل وخائف من عقابه.. و بين متبع لهواه و أنانيته..! لا يهمه أرضي الله أم سخط ..! و لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ‘ اقتضت حكمة الله أن يبعث رسلا من البشر يذكرون أقوامهم بتعاليم الله و ثوابته و قوانينه الأزلية في شتى مجالات الحياة الدنيا.. و قد اجتبى الله هؤلاء الرسل من بين الناس لما تحلوا به من طهر و عفة و رجاحة عقل مقارنة بمعاصريهم من ذوي الألباب .. إن مهمة هؤلاء الرسل عليهم السلام تتمثل أساسا في تذكير أقوامهم بآيات الله البينات و المتضمنة لكل تعاليم الله مبتدئا بنوح عليه السلام و مختتما بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن تعاليم الله التي ذكر بها نوح – عليه السلام – قومه هي نفسها التي أوحى الله بها إلى محمد صلى الله عليه و سلم﴿القرآن﴾ وهي نفسها التي ذكر بها موسى و عيسى عليهما السلام : ﴿في التوراة و الإنجيل﴾ و هي نفسها التي ذكر بها داوود و إبراهيم عليهما السلام في ﴿ألزبور و الصحف﴾ : وهي ثوابت صار على هديها كل الصالحين من عباد الله المخلصين عبر مختلف العصور و ألازمان و في كل مكان.. إن السير طبق تلك الثوابت الإلاهية ( آيات بينات ) ماضيا و حاضرا و مستقبلا .. و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها هي الضامن الوحيد لرضوان الله و الفوز بجنته يوم يحشر الناس لرب العالمين... و هي الضامن الوحيد لوحدة الأمة الإسلامية في العصر الحاضر و العصور اللاحقة وهي الضامن الوحيد لقوة الأمة الإسلامية و وحدتها و عدم تشرذمها كما هو واقعها الآن بفعل هجرها للقرآن و لجميع ثوابته .
إن مبادئ الله و ثوابته في الكون و الإنسان و الحياة و المجتمع هي مبادئ عامة لكل البشر منذ خلق آدم عليه السلام وهي مفصلة تفصيلا دقيقا في كل الكتب السماوية قبل أن ينالها التحريف و التأويل و التشويه من قبل بعض أتباع الرسل السابقين على محمد صلى الله عليه و سلم .. لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ﴿ القرآن﴾ معجزا و غير قابل للتحريف أو التأويل أو التشويه... متحديا الإنس و الجن أن يأتوا بسورة من مثله لأن محمدا صلى الله عليه و سلم هو آخر المرسلين لبني البشر ‘ و كتابه ﴿ القرآن ﴾هو آخر الكتب السماوية المنزلة على بني آدم.. من اتبعها فقد هدي إلى الصراط المستقيم و من زاغ عنها بدعوى الحداثة و الإجتهاد و التأويل فقد ضل ضلالا مبينا..!!
1- الوحي الإلاهي:
من معاني الوحي: الخلق:﴿ و أوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون ﴾ ( سورة النحل الآية 68) و الخلق في حد ذاته عمل يختص به الله دون سائر الموجودات.. لذلك كان الوحي معجزا معنى و مبنى .. ولقد جاء الوحي الإلاهي منذ بداية نزوله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مبشرا بقراءة جديدة للكون والإنسان والحياة والربوبية الحقة الألوهية الصحيحة ومقدما مفاهيم مغايرة لما تعارف عليه البشر واصطلحوا عليه واستنتجوه من خلال تجاربهم الحياتية المحدودة زمانا ومكانا..... إن القراءة الجديدة التي بشر بها الإسلام تصطبغ بصبغة الله الذي أحسن كل شيء خلقه :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ فهي قراءة تبتدئ باسم الله وتنتهي باسم الله وهدفها الأساس فهم كلمات الله البينات لتجسيمها في الواقع المعيش للإنسان والسير على هداها في جميع مناحي الحياة لان كل سلوك المؤمن هي عبادة لله رب العالمين ما دام هذا السلوك منضبط بتوحيد الله و بأوامر الله ونواهيه، وغايته ابتغاء وجه الله والإخلاص لدينه والفوز برضاه في الدنيا والآخرة:﴿ و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى﴾ (سورة الليل الآيات:19 و20 و21 )... لقد اخطر الله نبيه عليه السلام منذ بداية إنزال الوحي عليه بأنه عز وجل قد: ﴿علم الإنسان ما لم يعلم﴾ حتى لا يخطرن ببال إنسان مهما أوتي من علم انه يجوز له أن يفتي بغير ما أنزل الله ولو كان نبيا :﴿ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين﴾ (سورة الاحقاف الآية). ﴿ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا﴾ (سورة الإسراء الآيات 73 .74. 75. (إن علم الله كامل و مطلق و يتجاوز كل قدرات الإنسان الذهنية.. فالله ﴿قد أحاط بكل شيء علما﴾‘ أما معارف الإنسان فهي نسبية ومحدودة وهي مجرد استنتاجات وتخمينات قد تخطئ وقد تصيب و تتغير وتتناقض و تختلف، فالإنسان عاجز بقدراته الذهنية ووسائله المحدودة زمانا ومكانا أن يعرف السلوك القويم للإنسان في مختلف مجالات الحياة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية و غيرها :﴿ و عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون﴾( سورة البقرة الآية 216)... وإنما هو قادر فقط بما أوتيه من إمكانيات ذهنية وتجريبية وتاريخية.. وقدرة على الإستفادة من حياة الكائنات والعوالم الأخرى أن يستنبط الحلول الملائمة لتطوير معيشته وابتكار أنجع السبل والوسائل لتيسير حياته.. كابتكار وسائل فلاحية متطورة والإرتقاء بوسائل النقل البري والبحري والجوي وتيسير وسائل التعلم والمعرفة وصناعة آلات حربية ووسائل عسكرية اقدر على الفتك بالإنسان والتدمير وإهلاك الحرث والنسل...وقد سمى الله عزّ وجلّ كلّ ذلك ﴿العلم بظاهر الحياة الدنيا﴾: ﴿ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا﴾ (سورة الروم الآية 7). فاكتشاف القوانين الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية و الرياضية وغيرها.. وتطويع كل ذلك لتيسير معيشة الإنسان وجلب الرفاهية له أمر متيسر لجميع البشر إذا ما تعلقت همتهم بذلك، أما السلوك الإنساني الرشيد الذي يرضي الله عز وجل و ينسجم مع فطرة الإنسان السوي و قوانين الله في الأرض ويضمن الحياة الطيبة والهانئة والمطمئنة للإنسان.. فأمر متروك لخالق الكون والإنسان والحياة وحده، العليم بأسرار مخلوقاته، المطلع على كل خفاياها الظاهرة والباطنة...
إن قراءة متبصرة لآيات القرآن العظيم .. لا تلفها الأهواء و التأويلات المغرضة.. تكشف لنا عن كل القوانين والسنن الفطرية التي تتحكم في جميع العوالم التي خلقها الله و الخاضعة طوعا أو كرها لمشيئته عز وجل لا تحيد عنها منذ الأزل.. كما تحتوي هذه الآيات و خاصة الآيات المدنية منها على كل سنن و قوانين أمة الإسلام الأبدية في الأسرة و المجتمع.. و التي قد سار على هديها الصالحون من عباد الله منذ أقدم العصور‘ و ملخصها:﴿ اعبدوا الله مالكم من الاه غيره﴾ فتوحيد الله وخضوع الإنسان السوي المؤمن لشرع الله في الأسرة والمجتمع و كل علاقات الإنسان بنفسه و بربه و بأخيه الإنسان و بالطبيعة واستشعار الله و خشيته سرا و جهرا .. كانت و لا تزال جوهر كل الرسالات السماوية.. و لذلك جعل الله الأمة المستمسكة بهذه القوانين الأزلية ..أمة الشهادة على الناس أجمعين: ﴿ و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (سورة البقرة الآية 143).إن تشبث أمة الإسلام بقوانين الله و سننه الأزلية يخضع في التطبيق و التجسيد للنسبية التي يخضع لها سائر عمل بني آدم الذين يحيون في إطار زماني و مكاني محدودين .. فما ارتاه الرسول الكريم و صحابته استجابة لأوامر الله و نواهيه في المجال السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و في الحرب وفي السلم و تنزيل شرع الله في الحياة المدنية و تشكيل مختلف الأجهزة التنفيذية في المجال الأمني و العسكري و الإجتماعي و السياسي و غيره: أي في ميدان المعاملات و ليس في ميدان العبادات- قد يختلف اختلافا كليا عن ذلك الذي يرتئيه المسلمون في العصر الحديث لبعث دولة الإسلام *دولة التوحيد*القادرة لم شعث المسلمين و توحيدهم في كيان قوي.. نصرة لدين الله و للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها.. إن تغير العصر و تطور نوعية الحياة فيه و تقدم منتجات الحضارة الإنسانية.. لا يعني مطلقا تغيير المسلمين ﴿ لصراط الله المستقيم ﴾ و أحكامه و سننه الأزلية المفصلة في الذكر الحكيم.. بل يعني فقط الأخذ بأسباب الحداثة المادية و التقنية في الخضوع لكل قوانين الله و أحكامه في القرآن و الإجتهاد في تنفيذ الأحكام الشرعية بالأسلوب الملائم لحضارتنا في العصر الحديث قدر المستطاع .. كما لا بد من استحداث الوسائل والآليات المناسبة و الأجهزة التنفيذية الملائمة و الكفيلة بتوزيع ثروات أرض الإسلام بأقصى درجات العدالة الإجتماعية و الأخوة الإسلامية و تقوى الله التي تجمع كل المسلمين برباط الإسلام حكاما محكومين ..!
2- في معنى الألوهية والربوبية:
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire