mercredi 11 août 2010

العلمانية و السير بالبشرية نحو الهاوية ؟


لا حقائق أزلية ثابتة في الكون ؟

محمد بن سالم بن عمر

Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr

http:islam3mille.blogspot.com

1 القوانين الوضعية :

من المعلوم بداهة لدى العارفين أن لا حقائق أزلية ثابتة في هذا الكون الشاسع ... فما كان أبيض قد يصبح أسودا تحت تأثير الزمن، و ما كان طيبا حلالا .. قد يصبح خبيثا محرما .. و ما كان واجبا مقدسا ـ قد يصبح -القيام به- جريمة نكراء ..

فكل شيء مخلوق في هذا الكون الشاسع متحول، متغير، و نسبي لا يستقر على قرار .. وهو في حركية دائبة و دائمة منذ الخلق الأول .. كحركية مياه البحر في مدها و جزرها ، قد تجلب لك كنزا يغير حياتك نحو الأفضل ، و قد تقلب مركبك فتغرقك و تبعث بك إلى العدم و الموت ؟

إن هذه الحقيقة البديهية المعلومة من قبل الجميع هي ما يغفل عنها واضعو القوانين و الدساتير الوضعية التي تتحكم في مختلف دول عالمنا المعاصر ؟

إن فكرة وضع بند من دستور أو قانون .. لا يمكن أن يمر عليه يوم أو بعض يوم حتى يصبح ذلك البند أو القانون الموضوع من قبل المشرع حاجزا كثيفا و مانعا عن رؤية حقائق الحياة المتجددة و المتغيرة بطبعها في كل آن و حين ...؟

و بذلك يصبح المشرع الوضعي قد ساهم من حيث لا يدري في حجب حقائق وقائع الحياة المتجددة بوضعه للقوانين الوضعية الثابتة و مكرسا للمظالم بين البشر ..؟

و تصبح القوانين الوضعية التي وضعها المشرع عوائق حقيقية أمام حل قضايا الناس و مشكلاتهم، لأن القاضي الذي سيعتمدها للفصل في قضايا الناس و مشكلاتهم ستشكل له هذه القوانين و الفصول و الثوابت القانونية و الدستورية .. حاجزا يمنعه عن رؤية حقائق قضايا الناس و مشكلاتهم و حياتهم المتجددة و المتغيرة باستمرار ،و بالتالي لن يتمكن هذا القاضي من الفصل فيها بطريقة عادلة ترضي ضميره و إحساسه و واقع الحال .. و إذا فعل ذلك – أي الفصل في القضية بما يرضي ضميره – يكون قد عرض نفسه لمخالفة القوانين الجاري بها العمل ، و بالتالي يكون قد عرض نفسه للفصل من العمل و اتهامه بجهل القانون المكلف أساسا بالخضوع إليه عند الفصل في مختلف القضايا ... ؟

إن نظرة سريعة على واقع عالمنا المعاصر يلمح بيسر ما جلبته و تجلبه هذه الدساتير و القوانين الوضعية من ويلات و مآسي و ما تتسبب به من حروب و صراعات ، و أمراض مزمنة و تلوث بيئي و فقر و بطالة مهلكة و إحن و عداوات ... لم يسلم منها أحد من العالمين .

إن القوانين الوضعية و الدساتير البشرية تحول المؤمن بها إلى درويش أعمى لا يبصر من حقائق الوجود شيئا يذكر ... حتى إن المواطن البسيط ليعجب كيف يتحول رئيس أقوى دولة في العالم " أوباما " إلى أعمى ينحاز بكل ثقله إلى الظلم و الباطل و يتخلى بكامل ارادته عن نصرة الحق كما كان يعد شعبه و كل الشعوب المقهورة التي توهمت نصرته لها في حال فوزه ؟ لذلك لا نعجب إن وجدنا أن ابسط مواطن امريكي .. قد أصبح يرى و يبصر أكثر مما يرى " أوباما " و يبصر، لان "أوباما " قد أصبح ينظر إلى وقائع الحياة و مشكلاتها من خلال الدستور الأمريكي و القوانين التي وضعها المشرعون الأمريكيون منذ عشرات السنين ..

و هذه القوانين الوضعية الثابتة قد صارت تحجب عن "أوباما " و أمثاله رؤية حقائق الأشياء منذ تقلده لمنصبه في رئاسة الولايات الأمريكية المتحدة ..؟

2 سنن القرآن و نواميسه :

لا تمثل آيات القرآن وسننه ثوابت جامدة كما قد يتوهم المسلم من أول وهلة ، بل هي بمثابة المصابيح المضيئة التي تضيء للمؤمن بها وقائع الحياة و قضاياها المتجددة دون زيادة أو نقصان .. مما يتيح للمسلم اختيار ما يلائم فطرته و طبيعته وقناعاته في اجتراح الأعمال و المكتسبات ... فإن كانت طبيعته خيرة حفزته بصائر القرآن على اجتراح الأعمال الخيرة و دفعت به أشواطا إلى الأمام ، و إن كان شريرا زادته آيات القرآن و سننه عمى و قذفت به أشواطا لارتكاب المعاصي واجتراح المزيد من الشرور و الآثام ... و كل واحد من الخلق يجد ضالته في آيات القرآن .. و هنا يكمن سر آخر من أسرار القرآن المعجز ؟ و هذه السمات التي يتسم بها القرآن تتجاوز كل قدرات البشر و كل الخلق أجمعين ، مهما أوتوا من بلاغة القول و الحديث .

يمكن تشبيه آيات القرآن الكريم بالشمس التي تشرق كل صباح و تضيء الكون بأشعتها ... فهي لا تضيء نفس الأشياء كل يوم بل قد يتغير ما تضيئه الشمس في كل لحظة ... كذلك ما تضيء به آيات القرآن في زمن قد يختلف اختلافا جذريا عما أضاءت به في زمن مختلف ... فكل من الشمس و آيات القرآن هي كائنات حية مخلوقة لله رب العالمين ... على عكس ما يصنعه الإنسان و ينتجه فهي منتجات تفتقد الحياة ... وهي منتجات جامدة بل إن الإنسان نفسه قد يصبح كائنا ميتا دون أن يشعر إذا لم ترتبط روحه بخالقها و تستنير بنوره في الحياة ... يقول عز و جل : أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون .

سورة الأنعام الآية 122.

3 الناسخ و المنسوخ في القرآن : ؟

إن ما تراءى للمسلمين القدامى و المحدثين بأن آيات القرآن تنسخ بعضها بعضا ؟ بمعنى أن مواقف القرآن تجاه بعض القضايا البشرية يتطور و يتغير ... ليس صحيحا مطلقا .. كما لم يرد مثل هذا المعنى مطلقا في القرآن و إنما ذكر القرآن المعنى التالي للنسخ : "ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" . سورة البقرة الآية 106

فالله يقر أن نسخ آية يوجب الإتيان بخير من الآية المنسوخة أو بمثيل لها لا تغييرها أو تفنيدها بأخرى ... وهو أسلوب معجز لا يقدر الجن و الإنس عن الإتيان بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا.. و سنسوق أمثلة للنسخ الوارد في القرآن :

يقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية 219 : " يسئلونك عن الخمر

و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون "

إن ظاهر هذه الآية لا يحرم الخمر و الميسر وهو ما يعتمده ضعيفو الإيمان من المسلمين بدعوى أن النص القرآني لم يذكر أنه قد حرم الخمر و الميسر .. ؟

و الحقيقة التي يدركها المؤمنون الصادقون و العقلاء من المسلمين أن أي سلوك فيه مجلبة للإثم هو محرما شرعا و لا يجب اقترافه مهما كانت الظروف ... و هذا ما وضحه القرآن في آية أخرى من آيات الذكر الحكيم : إنما الخمر و الميسر

و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه .." ففي هذه الآية الثانية التي ظنها المسلمون الأوائل و المحدثين ناسخة للآية الأولى هي في الحقيقة قد أعادت التأكيد على تحريم الخمر و الميسر .. على المسلمين بأسلوب أكثر وضوحا لكن المضمون واحد مع الآية الأولى .. أو هي آية شارحة للآية الأولى بأكثر وضوح .

كذلك كل الآيات التي تراءت للمسلمين القدامى و المحدثين أنها آيات ناسخة بعضها لبعض ما هي إلا آيات قد شرحت بعضها بعضا و لم يحدث أن غيرت آية تالية المعنى الوارد بآية أولى مطلقا ... فكل آيات القرآن تبقى صالحة لكل زمان و مكان – و هنا يكمن سر آخر من أسرار إعجاز القرآن الكريم - .

فالآيات التي تحدثت عن تحديد القبلة وجهة للمسلمين لا تنسخ مطلقا الآيات التي تتحدث عن : "فأينما تولوا فثم وجه الله" لأن المسلم قد يحتاج هذه الآية لما يكون في حالة حرب أو سفر .. أو في حالة الأسر.. فإن عدم توجهه للقبلة أثناء الصلاة و ذكر الله لا يفسد صلاته .. بل إن صلاته صحيحة بإذن الله عز وجل.

Aucun commentaire: