mercredi 16 juin 2010

حوار مع صديقي الملحد ...؟




حوار مع صديقي الملحد ...؟

على اثر نشري للمقال التالي على موقع إيلاف :

قالت لي ألفة يوسف مديرة المكتبة الوطنية التونسية ردا على إحدى رسائلي إليها في "الفيس بوك "
لم أفهم ما تعنيه رسالتك ؟
أجبتها قائلا :


أردت أن ألفت انتباهك أنك في نهاية المطاف لا يفصل بينك و بين هؤلاء "المجرمين من رجال الدين" -الذين يحرفون الكلم عن مواضعه

و يستغلون التراث الإسلامي لتشويه الدين الإسلامي و نشر الشذوذ الفكري

و الجنسي بين المسلمين - ، بون شاسع ... حتى وصل بك الأمر في كتابك الأخير إلى إباحة السحاق و الشذوذ الجنسي بكافة أشكاله ... و يا للعجب من جامعية .. تتنكر لقوانين الفطرة التي فطر الله الناس عليها منذ الأزل ...؟؟ إن افتراءك على الله بدعوى الإجتهاد سيضمن لك المعيشة الضنك في الحياة الدنيا و في الآخرة ...

و لن ينجيك من سوء المنقلب إلا التوبة إلى الله منزل القرآن ... و تحويل قلمك المسموم إلى قلم يدعو إلى الخير و الفضيلة المفصلة في كتاب الله و الدعوة الصادقة إلى تحكيم شرع الله في الحياة ... فأنت لست بحاجة إلى البروز في الحياة الثقافية التونسية على حساب نشر الشذوذ الفكري في بلاد تعج بالشذوذ و الشواذ و محاربة دين الإسلام ...إني حريص على توبتك نظرا للاحترام الذي لا أزال أكنه لك كمثقفة

و جامعية نحن بأشد الحاجة إليها لإنارة السبيل أمام شبابنا في بلادنا،

أجابت بتهكم :

سيدي الكريم
أخلاقي لا تسمح لي بأن أقول لك إلا الخير...لو كنت قرأت كتابي بل مجموعة كتبي لقبلت كلامك وناقشتك أما أن تتهم بلا معرفة واستنادا إلى أقوال الصحف أو المواقع المغرضة فلن أقول لك إلا أن بيني وبينك الله تعالى في الدنيا ويوم القيامة ،


أنت لا تعرف عني شيئا ولا نعرف عن أفكاري ولا عن حياتي شيئا...وتسمح لنفسك بأن تثلب...فإن كان هذا ما علمه إياك الإسلام...فإسلامي وإسلامك مختلفان...وإن كانت هذه اخلاق رسولك، فرسولي ورسولك مختلفان,,,لا أقول لك سوى: هدانا الله إلى ما فيه الخير
وأتمسك بحقي أمام الله تعالى يوم القيامة حتى يأخذ لي هو به...أما أنا فأصمت احتراما لحسن الأخلاق ومكارمها
مودتي
ألفة

أجبتها بتهكم مماثل :

سلام الله عليك أما بعد :


يا سيدتي أنا اعتمدت ما صرحت به لمجلة حقائق التونسية ... في حينه ... ؟

و ما تروجينه على قتاة تونس 7 الفضائية كما أن حالك و عدم التزامك بشرع الله في لباسك رغم وضوحه و تفصيله في النص القرآني -

و الحال يغني عن البيان - ؟ واعتمادك على الأحاديث النبوية و الفقه الإسلامي وهي كلها أمور نسبية قد تكون صلحت في زمن النبي محمدا صلى الله عليه

و سلم و أتباعه أو بعض فترات التاريخ الماضية .. دون النص القرآني / النص الأزلي الصالح لكل زمان و مكان ... كل ذلك لا يسمح لك إلا أن تكوني مروجة لفكر الدراويش .. الذي تروجه الأنظمة العلمانية الحاكمة .. و أنت و لا فخر جندية من جنود هذه الأنظمة العلمانية..؟؟
أما بخصوص ادعائك أن النص القرآني لم يحرم السحاق ..؟ فاعلمي أن الشيطان قد توعد بني آدم قائلا : فلأمرنهم فليغيرن خلق الله ... و ما دام السحاق في جوهره تغيير لخلق الله كما اللواط ، فلا تشكين لحظة أنه محرم حتى و إن لم يرد نص في الأمر رغم أن هناك من ساق لك نصا في الموضوع ..


إن دين الإسلام هو دين الفطرة السوية

و كل ما يعارض الفطرة السليمة عقلا

و واقعا فهو محرم ..؟؟
و أما مخاصمتي أمام الله القائل : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون /الفاسقون /الظالمون ... فهي مخاصمة خاسرة دون أدنى شك ..؟؟؟
دمت في رعاية الله و حفظه سيدتي

و السلام عليك و رحمة الله

و بركاته .
محمد

وانتظرت ردا على افتراءاتها بحق دين الإسلام ... لكن لا حياة لمن تنادي ...؟؟؟


مثل هؤلاء الشواذ فكريا و جنسيا من يهيمن على كل مقدرات البلاد التونسية ثقافيا واقتصاديا و سياسيا و أطرد أنا من وظيفتي " من "أجل تربص غير موفق" فندته المحكمة الإدارية التونسية منذ 1998 و لكن كما ردت وزارة الثقافة

و المحافظة على التخلف " على الموفق الإداري وهو مؤسسة حكومية بتعذر تطبيق هذا الحكم ؟؟

إنها " دولة القانون و المؤسسات "؟ والدولة العلمانية الوحيدة في شمال إفريقيا بل لعل الغرب كل الغرب و أمريكا تتعلم الدروس من تونس الخضراء ؟؟؟

ألم أقل لكم إن المسلمين يعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض منذ أن تنكروا لنور الله و شريعته السمحاء ؟؟

رد علي الابن المدلل "لإيلاف" قائلا :

سؤال :

هل اخذت راي السيدة التي ذكرتها بنشر الرسائل بينك وبينها؟؟؟؟؟؟ ان كنت لم تاخذ رايها او تقوم بنشرها دون موافقتها فما تقوم به عملا غير اخلاقيا

و كان جوابي كالتالي :

رد على تعليق نزار النهري:

لا أعرف لماذا تتحدث عن الأخلاق ..

و الأخلاق شيء معنوي غير قابل للتجربة و الإثبات كما الروح

و العقل و أنت العلماني الملحد ؟؟ نسيت أن آخذ رأيك في إهدائك قصة المجون في مدونتي : http://www.elaphblog.com/islamonegod ؟؟؟؟ دمت في رعاية شيطانك ؟ على فكرة لماذا تغضب و تحتج لما توصف بالشيطان

و الشيطان ذات غير مرئية و بلغتك وهم ؟

فكان رده كالتالي :

واضح من خلال تعليقك سطحية تفكيرك .. انا سالتك سؤال ولم تجب عليه وتهربت بهذه الكلمات المضحكة الاخلاق التي توضع على اساس علمي واجتماعي ونفسي افضل من الاخلاق التي وضعتها بعض الاديان، ما هي الاخلاق في امتلاك انسان لانسان كعبد وبيعه في سوق النخاسة؟؟؟؟

و كان جوبي كالتالي :

أيها العلماني الملحد : الإسلام وجد ظاهرة اجتماعية معينة ... مسيئة للكرامة البشرية فحاربها بطريقته الخاصة وهي التشجيع على "فك الرقاب" من العبودية لغير الله .. قال تعالى : و ما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة صدق الله العظيم ، و ليخرس كل الشياطين .. أنت تحتج بنتاج و مكتسبات الدراويش أمثالك ، و أنت تعلم أن كل هؤلاء الدراويش الذين تتخذهم حجة على الإسلام سيقذفون معك في جهنم و بئس المهاد .؟ بل إن قانون الله الأزلي الذي يسير به كونه

و مخلوقاته يقضي بتعذيبهم في هذه الحياة الدنيا قبل عذاب الآخرة ..؟

و تأمل حياة دراويشك بالعراق و أنت تعرف الجواب؟ .

فكان رده علي كالتالي :

لا يمكن ان يكون قانون الله بهذا الشكل الذي يظلم فيه الناس ويميز بينهم ويجعل احدهم متسلط على الاخر يبيع به ويشتريه ويقتله متى شاء، اذا كان عقلك يقول لك هذا فعقلي المتحرر لا يقبل هذا وقل عني ما شئت شيطان او غير شيطان، فقط اذكرك ان الساكت عن الحق شيطان اخرس .. لم تقل لنا هل اخذت راي الكاتبة التونسية بنشر الرسائل ام لا؟؟؟؟

فجاء ردي كالتالي :

صدقني بدأت أحس أني أتحدث إلى مجنون ؟ من قال إن قانون الله "الذي يظلم فيه الناس و يميز بينهم و يجعل أحدهم متسلط على الآخر يبيع به

و يشتريه و يقتله متى شاء" ؟؟؟

قلت لك أن الوحي عندما نزل على النبي محمد صلى الله عليه و سلم وجد ظواهر إجتماعية معينة و منها ظاهرة العبودية منتشرة آنذاك في مختلف أصقاع العالم فقام بمعالجتها بطريقة التشجيع على عتق الرقاب

و النصوص القرآنية كثيرة جدا .. التي تشجع الذي يملك عبدا على عتقه مقابل الفوز برضوان الله .. فنحن كلنا عبيدا لله و لا يمكن ان يفرق الله بين عباده إلا بالتقوى أي بمدى استجابتهم لتعاليمه .. دلني على آية واحدة في القرآن تشجع على الإستعباد ..؟؟؟ أنت مشكلتك تحتج ببعض ما أورده رواة الحديث و السيرة و الدراويش القدامى

و المحدثين و أنت تعلم أن دين الله هو حجة علينا جميعا بما فينا الأنبياء ... فالأنبياء عليهم السلام ليس من حقهم التشريع لأنهم في نهاية الأمر هم بشر و لهم نوازعهم التي يمكن أن توقعهم في الخطأ .. بل إن القرآن لام ذات مرة النبي صلى الله عليه و سلم قائلا : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ؟ أرجو أن تكف عن الاحتجاج بواقع المسلمين قديما و حديثا و حاججني بما ورد في الوحي الذي هو القرآن و لا شيء غير القرآن . مع الشكر على غباءك .

و كان رده كالتالي :

جيد انك تعترف ان ظاهرة العبودية كانت موجودة قبل الاسلام واستمرت مع الاسلام .. انا من اطالبك باية واحدة تلغي او تحرم الرق والعبودية .. لماذا ترك القرآن هذه الظاهرة كما هي؟؟؟ لا تخرج عن هذه السطور وارجو ان تجيب باحترام فالغاية النقاش الهادئ وليس التكلم بطريقة فتل العضلات.

لقد أصبح النهري يستعمل لغة مؤدبة وهو كما هو واضح صار يبحث عن أدلة تزيح عن بصيرته الغموض الذي يكتنف بعض المبادئ الإسلامية فكان جوابي كالتالي مؤدبا معه على غير العادة :

عندما يربط الله عز وجل بين دخول الجنة و" فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة ..." فإنه بذلك يكون قد منع المسلمين عمليا من استعباد الخلق بعد نزول الوحي .. ؟ يقول الله عز وجل : و ما أدراك ما العقبة - العقبة في دخول الجنة - فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة .. كقوله في الخمر و الميسر : قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما . فالظاهر .. لم يحرم الإسلام الخمر.. لكن العاقل يعرف أن الشيء الذي يجلب الإثم للمسلم هو شيء محرم لا محالة و هذا ما يستنتجه العاقل حتما و الإسلام جاء للعقلاء و ليس لمن : "يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة "كما يفعل فقهاء السوء الذين تحتج بهم . دمت في رعاية الله.

فرد قائلا :

لم تاتني بالاية التي طلبتها .. بالمناسبة فك رقبة ليس الطريق الوحيد فهناك ايضا اطعام في يوم ... ولو خيرت بين الاثنين ساختار الثاني لانه اسهل .. دمت لعقلك

و كان توضيحي له كالتالي :

يا سيدي الوحي نزل للناس ليعطيهم معايير السلوك القويم و ليس ليحلل أو يحرم .. فالحلال قد يصبح حراما و الحرام قد يصبح حلالا ... المهم النية الخفية بين الله و عبده " و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى "..

فشارب الخمر أو آكل لحم الخنزير قد يصبح عمله حلالا في حالة الإضطرار : "فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه" . و آكل الكسكسي أو المقرونة قد يصبح عمله محرما إذا أسرف في الأكل ، فليس المشكل : فهل منع الإسلام الإستعباد أم لا ... و لكن ما دام البشر يخطؤون في حقوق بعضهم على بعض فقد أعطى القرآن معيار " فك رقاب الخلق لنيل رضوان الله " و بذلك يكون قد عبد الطريق لمنعها " العبودية " قانونا مستنبطا ارتكازا على معيار " فك رقبة " واعتمادا غلى العقلانية الواعية التي ترى " أن الخلق كلهم عبيد الله فلا يجوز أن يستعلي أحد على أحد .

لو توجد آية تمنع الإستعباد منعا قاطعا لكنت أول الشاكين في أن القرآن من عند الله ؟ لماذا ؟ لأن الإستعباد ظاهرة موجودة منذ وجود الإنسان و لا تزال موجودة بأشكال مختلفة ... فلو منعها الله منعا باتا لقيدت تصرفات الدولة الإسلامية في حال نشوب حرب بينها و بين الأعداء .. ؟ كيف ؟

افتراضا أن العدو قد أسر مجموعة من الجنود المسلمين واستعملهم كعبيد فيصبح من حقي كدولة و كحكومة مسلمة أن أعامل أسرى ذلك العدو عندي بالمثل .. فتبقى إمكانية أن تتبادل الحكومة المسلمة أسراها بأسرى الحرب الذين امتلكتهم ... أما اذا كان هناك نص قطعي في تحريم الأسر و الاستعباد ... فإن أيدي الحكومة المسلمة تصبح مقيدة

و لا يمكنها المناورة و بذلك يصبح "النص الذي تبحث عنه" وهو تحريم الأسر و الاستعباد ، عائقا و مكبلا للمناورة التي يمكن أن تستعملها الحكومة المسلمة لتحرير أسراها من استعباد العدو لهم ؟

إن آيات القرآن الكريم هي نور تساعد الإنسان على تبين الحق في أي زمان و أي مكان – انطلاقا من مسلمة أن الإنسان عامة يولد على الفطرة السوية التي خلقه الله عليها -

أما اذا أصبحت قوانين قطعية كالتي يصدرها البشر – في ظرف معين - فإنها لا شك ستصبح عوائق أمام تقدم الحضارة البشرية المتغيرة بطبعها .. و مع ذلك تستطيع الحكومة المسلمة أن تصدر قانونا أو قرارا يمنع العبودية و الاستعباد في أي وقت تراه مناسبا ... دون السقوط في معصية الله ؟

mardi 15 juin 2010

message aux musulmans dans le monde entier



نداء إلى الشعوب الإسلامية
أمتي
لقد عشت بين ظهرانيكم منذ أربعين سنة’ في ارض من أراضي بلاد الإسلام
المباركة * تونس الخضراء* انعم بخيرات هذه البلاد الإسلامية المعطاء .. لذا
أحببت أن أذكركم و اذكر كافة القوى الحية في العالم الإسلامي بالله
...ربنا جميعا و رب العالمين منزل القرآن – الكتاب الذي عجز الجن و الإنس عن
الإتيان بسورة من مثله لأنه كتاب من خلق الله عز و جل و لن يستطيع الجن و
الإنس أن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له فما بالك بخلق سورة تضاهي سور
القرآن - .. مالك الملك و رازق الخلق بغير حساب ... و أن نعبده وحده دون
شريك.. و أن نفرده بالطاعة و الخضوع لقوانينه المنزلة و المفصلة في القرآن
.. و نجعل من جميع آياته البينات دستورا لحياتنا و قوانين تنتظم به علاقات
بعضنا ببعض ׃ أفرادا و جماعات .. نساء ورجالا.. حكاما و محكومين.. حتى
ينصلح حال امتنا الإسلامية التي تكالب عليها الأعداء من كل حدب و صوب

يا امة الإسلام׃

إن القوانين التي استنوها – ما يسمون بالسلط التشريعية - لكم منذ استقلال
ديارنا الإسلامية عن الاستعمار الغربي المباشر و تخضعون لها اليوم في
حياتكم .. قد استنها عباد أمثالكم عاجزين بطبعهم عن تقييم أي سلوك أو مدى
نفعه أو ضره لكم .. و قد حولت هذه القوانين الوضعية الظالمة حياتكم إلى
جحيم لا يطاق .. و ضنك في العيش لا يدانى و اذلت جميع شعوبنا ..لأنها
قوانين تتعارض و الفطرة التي خلقكم ربكم عليها ( فطرة الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله). فأفقدت رجالكم رجولتهم و نساءكم أنوثتهن ...
فاستشرى العجز الجنسي و مرض السكري و ضغط الدم و شتى الأمراض المزمنة و
البطالة المهلكة و الانحراف المهين لكرامتكم و الفقر المدقع .. و ازدادت
نسب الطلاق في بلداننا يوما بعد يوم و ضاع أبناؤنا في متاهات الطريق.. و
تشتتت الأمة و ضعفت حتى صار باسها بينها شديد.. و تكالب عليها الأعداء .-
وهي نتائج حتمية لتنكب امة الإسلام عن قوانين الله الأزلية المفصلة في
القرآني* من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا *القرآن .

تذكروا أيها الأحبة ׃

أن قوانين الله و سننه الأزلية في الكون و الإنسان و الحياة نافذة على
جميع خلقه طوعا و كرها.. أحب الناس أم كرهوا .. فلنختر* امة الإسلام*
السير على هديها طوعا لا كرها كما سار على هديها أتباع رسولكم محمد صلى
الله عليه و سلم و كل أتباع الرسل عليهم السلام.. بإيمان و احتساب .. حتى
نسعد دنيا و آخرة و يسعد أهلنا كما سعد كل أتباع الرسل عليهم السلام ..
ونفوز بالجنة يوم لقاه.. و نحرر أوطاننا من قوى البغي و الظلم ...

׃" فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و
نحشره يوم القيامة أعمى" سورة طه الآية 123و 124

و اعلموا أيها الأحبة ׃

إن جميع الخلق.. مهما أوتوا من علم و قوة لا يملكون لكم ضرا و لا نفعا إذا
آمنتم بربكم حق الإيمان و نصرتم دينه واستجبتم لما انزل علينا في القرآن من
قوانين تنتظم بها حياتنا في أدق تفاصيلها ( من ذلك ׃ والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين.. و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.. و
ما أصابكم من مصيبة فبما كسبتر أيديكم .. إن الأرض لله يورثها عباده
المتقين.. إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ....) .. و تذكروا – أيها
الأحبة - أن الله قد اهلك من قبل فرعون و هامان و جنودهما.. فهل تقبلون
العيش جنودا للطواغيت و قوانينهم التي ما سنت إلا لإخضاعكم للطواغيت و
سدنتهم من الكهنة و رجال الدين البائعين لآيات الله بثمن بخس و استغلالهم..
و نهب الثروات التي انعم الله بها عليكم و على بلادنا الإسلامية لتكونوا
عبيدا له لا لغيره من الخلق.. .!? و تذكروا أيها الأحبة أنكم قد أعطيتم و
تعطون عهدكم و ميثاقكم الغليظ لله ربكم عندما تقفون بين يديه كل يوم
معاهدين مرددين׃ " إياك نعبد و إياك نستعين"

يا أبناء شعبنا المسلم :

شكلت بلداننا منارات للإسلام دين التوحيد و الخضوع لشرع الله العزيز.... و
قلاعا حصينة لأمة الإسلام.. امة جميع الأنبياء عليهم السلام ... فنصرها
الله لما انتصرت لدينه .. فلا تسمحوا لأنفسكم بالخضوع لحكم طواغيت ما انزل
الله بها من سلطان أو نفوذ .. إني أعظكم أن تكونوا من " الجاهلين " أو"
الظالمين " أو" الفاسقين عن شرع الله" ׃( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك
هم الكافرون ) سورة المائدة الآية 44

يا شعبي المسلم الحبيب :

إني أهيب بكم جميعا أن لا تتخذوا من الطواغيت مهما كانت مسمياتهم أربابا
لكم تتبعون قوانينهم الفاسقة عن شرع الله و تشريعاتهم الظالمة – التي ما
حبروها إلا لخدمة مصالحهم و مصالح أسيادهم من قوى الاستكبار الغربي و
شركاتهم العابرة للقارات ... إنها قوانين عمياء كعمى بصيرة الذين حبروها ..
فاسقة عن قوانين الله و سننه في الأسرة و المجتمع و الحياة الحق
الطيبة.... و التي أهوت بكم في مكان سحيق من الظلم و الضياع و ضنك العيش و
ضياع أوطاننا و ثرواتنا المنهوبة ... حتى صرنا مجرد خدم في شركات من
استعمرنا بالأمس القريب و يستعمرنا اليوم في معاشنا .. و ينتهك حرماتنا ...
فالله وحده مولاكم و رازقكم و العالم بحقيقة ما يناسب خلقتكم .. نعم
المولى و نعم النصير.. و تذكروا أن الأرض أرضه وعد بتوريثها عباده الصالحين
المتبعين لما انزل في القرآن العظيم..

إني ادعوك يا شعبي المسلم الحبيب لنتكاتف جميعا و نوحد جهودنا و إرادتنا ..
نساء و رجالا حكاما و محكومين .. احزابا و حكومات و جمعيات و منظمات ...
لإقامة دولة التوحيد في ديارنا الإسلامية.. دولة أسها الإيمان و قانونها
آيات القرآن العظيم .. و نجمع شتات امتنا الإسلامية في مشارق الأرض و
مغاربها حتى نقوى بهم و يقووا بنا و نرفع الظلم عن أنفسنا و عن كل
المستضعفين في الأرض و نوصل رحمة الله إلى جميع الخلق :" و إن هذه أمتكم
امة واحدة و أنا ربكم فاتقون"سورة المؤمنون الآية 52.

أيها الأحبة:

اتخذ اليهود و النصارى من قبلنا نحن المسلمين : " أحبارهم و رهبانهم أربابا
من دون الله و المسيح ابن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا الاها واحدا لا لاه
إلا هو سبحانه عما يشركون "( سورة التوبة الآية31 ).. فلعنوا إلا أن
يتوبوا... فإياكم و إتباع هؤلاء الدراويش "(المتاجرين بآيات الله البينات
من فقهاء السوء..وايمة المساجد ... ) ممن اتخذوا القرآن مهجورا و حرفوا
معاني كلمات الله و اتبعوا أهواءهم في الإفتاء بغير ما انزل الله .. بحجج
واهية و عمى في البصيرة يصور لهم أن الكلام يغني عن الفعل و الاستجابة لكل
تعاليم الله في القرآن الكريم: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا
تفعلون"سورة الصف الآية 3."

لقد حرم الله الجنة على المشركين لأنهم نجس بإصرارهم على ما ألفوا عليه
آباءهم من الأموات ( أحاديث بشرية نسبية قيلت في ظروف معينة قد عاشوا في
إطارها.. و مشكوك حتى في صحتها و قد نهى الرسول الكريم عن كتابة أقواله...
مذاهب فقهية ما انزل الله بها من سلطان .. ابن تيمية..ابن عاشور... مذاهب
سنية و أخرى شيعية و أخرى جهادية( إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست
منهم في شيء) ... وكل يدعي وصلا بالإسلام و الإسلام براء منهم جميعا.. )
فإياكم و الصلاة وراء هؤلاء الدراويش حتى يصلحوا من عقائدهم في ربوبية الله
وحده دون شريك و يخضعوا لشرعه دون شرع غيره من الارباب المزيفة.. طهروا
منهم مساجدكم .. و انتخبوا من بينكم

المتقين الموحدين لله رب العالمين .. ليكونوالكم ايمة و قادة ..

أيها الأحبة :

إن غياب دولة التوحيد في العالم الإسلامي .. شكل ضربة قاسمة لظهور المسلمين
جميعا.. و فتت أراضيهم حتى صارت ثرواتهم التي حباهم الله بها فيئا منتهبا
من قبل قوى الاستعمار و الاستكبار في الأرض و البغي و الظلم .. وورثتهم من
قوى الردة و العمالة .. مما هيا الأرضية الملائمة للمجرمين و الإرهابيين
..( ابن لادن و من سار على دربه..) لاستغلال فتياننا و زهراتنا في عمليات
إجرامية ما انزل الله بها من سلطان !! فالله رب الناس جميعا لم يأذن
لأوليائه بالقتال في سبيله إلا في إطار* دولة التوحيد* التي شكلها نبيه
عليه السلام بعد جهد جهيد – في السنة الثانية للهجرة *.. لنصرة المؤمنين في
المدينة و رد عدوان الظالمين : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و أن الله
على نصرهم لقدير . الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا
الله ... و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " سورة الحج الآية 39 و
40

إن القتال في سبيل الله هو خطاب موجه لمؤمنين موحدين .. اشترى الله منهم :"
أنفسهم و أموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون
وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن "( سورة التوبة الآية 111).

انه خطاب لمؤمنين توحدوا بشرع الله و قوانينه و عاشوا في ملكه بالإسلام و
للإسلام و لم تفرقهم الأهواء و المصالح الطائفية.. و الأرباب البشرية كما
يحدث بالعراق و فلسطين...* لن تنتصر حماس على المجرمين الصهاينة و تحرر بيت
المقدس من هؤلاء الجبناء حتى تقيم شرع الله في كل فلسطين*

أيها المسلمون في بلاد الإسلام:

ابدؤوا بأنفسكم فأصلحوها بشرع الله في القرآن الذي فصل الله فيه القول
تفصيلا بينا في كل مناحي الحياة ... في الأسرة و المجتمع و القضاء و
السياسة.. و لستم بحاجة إلى تفسير هؤلاء الدراويش المتاجرين بآيات الله
البينات – زعماء الحركات الإسلامية .. و كتاب من أمثال/ الد = محمد عمارة و
يوسف القرضاوي ... ... فهم عميان البصر و البصيرة .. . لا يسمعون الحق .. و
لا يبصرون إلا أهواءهم (جعل الله على قلوبهم اكنة أن يفقهوا آياته
البينات) .. و أصلحوا زوجاتكم و أبنائكم بالقرآن و بمعايير القرآن لا غير..
و شكلوا من أسركم خلايا حية نابضة في جسد امة الإسلام و دولة الإسلام ... و
عيشوا رحمة الله التي ابتعث من اجلها نبيكم عليه السلام .. و اقتدوا بفعله
و بسيرته عليه السلام - لا بقوله و أحاديثه و التي نهى أصحابه عن كتابتها
و أمر فقط بكتابة القرآن - في الاستمساك بالذي أوحي إليه من ربه ... و
اعلموا أن الأمة التي شكلها في عصره عليه السلام :" لها ما كسبت و لكم ما
كسبتم و لا تسالون عما كانوا يعملون " سورة البقرة الآية 134. و اختاروا من
أحيائكم و قراكم و مدنكم ... المتقين من إخوانكم لقيادتكم .. فكلكم راع و
كلكم مسئول عن رعيته .. و هيئوا أنفسكم لبعث دولة الإسلام في ديار الإسلام
حتى تعود لكم الريادة و القيادة و الشهادة على الناس .. و قيادة العالم من
جديد ... و نخلص العالم من كابوس أمريكا و إسرائيل و الغرب الاستعماري
المجرم – الدين تبرا منهم أنبياؤهم عليهم السلام-

أيها المسلمون في العالم :

انصروا رسولكم محمد صلى الله عليه و سلم بإتباع القرآن الذي أوحى به إليه
ربه و عجز الجن و الإنس على الإتيان بسورة من مثله و لا تكونوا من الذين
تبرا منهم نبيكم :" و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "
سورة الفرقان الآية 30 ... و لا تكونوا من أولئك العربان الأشد كفرا و
نفاقا من المسيئين لنبيكم من أهل الكتاب .. بل ادعوهم إلى كلمة سواء بيننا و
بينهم :" ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون " سورة آل عمران
الآية 64 .

قولوا لهم ليس بيننا و بينكم " حوار الحضارات أو الأديان " كما يزعم
المبطلون من الأعراب بل ربنا و ربكم واحد و شرعنا و شرعكم واحد و رسولنا و
رسولكم إخوة في الله قد بلغوا جميعا كلمات الله الأزلية الخالدة و رسالته
الواحدة و كانوا جميعا مسلمين : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي
أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا

تتفرقوا فيه" سورة الشورى الآية 13 .. تكتلوا اخوتي في الله حول كتاب
مولاكم الحق لا الاه غيره و لا معبود سواه .. توحدوا جميعا لإقامة

" *دولة التوحيد في العالم*دولة قانون القرآن*" و شكلوا الولايات
الإسلامية المتحدة على أنقاض مستعبدي الشعوب من أمريكان و انكليز و صهاينة و
غيرهم ..

بقلم محمد بن سالم بن عمر

كاتب و ناقد مسلم

اللغة العربية ثابت من ثوابت الإسلام فالنحافظ عليها ..؟



اللغة العربية و الإبداع الحضاري

محمد بن سالم بن عمر

المقدمة
قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا!


تعتبر اللغة من أهمّ مقوّمات الشعوب. فهي ترجمان فكرها وعواطفها ومختلف مظاهر الحضارة والتمدّن فيها ،ولقد أدركت مختلف الأمم و الشعوب هذه الأهمية للغة، قديما وحديثا، فلم تتوان أيّ منها عن دراسة لغتها، والإهتمام بها، والحرص على نشرها وتعليمها للآخرين وتحبيبها إليهم.
ولقد بحث الإغريق في طبيعة اللغة ونشأتها، وتضافرت جهودهم في سبيل وضع قواعد للغتهم ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد. وشارك الفلاسفة اللغويين فكانت أبحاث أفلاطون في أصل الكلمة، ومشكلة المعنى كما درس العلاقة بين الأشياء والكلمات. وتابعهم في ذلك الرومان، فدرسوا اللاتينية ولما كان الإغريق قد اقتصروا على دراسة لغتهم فقط ، فقد فعل الرّومان مثلهم فلم يدرسوا قواعد أيّة لغة غير لاتينية، كأنّهم أرادوا أن تصبح هذه القواعد قوانين عامة تصلح لجميع اللغات، وهي نظرة سادت في أوروبا ، وظلت آثارها إلى سنوات قليلة مضت قائمة ، إذ حاول اللغويّون هناك تطبيق قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على اللغات التي انحدرت منها غاضين النظر عن مسافة الخلف بين هذه اللغات الحديثة وتينك اللغتين الميتتين.
ولقد انصبّ اهتمام الإغريق والرومان على وضع قواعد لما يمكن أن يقابل اللغة الفصحى أو النموذجية، وهي لغة لم تكن متحدثة آنذاك وانشغلوا بوضع قواعد وضوابط ومعايير محدّدة لهذه اللغة سميت بالقواعد "المعيارية" وهي لا تتغير بمرور الزمن.
أما في الهند فقد كان للكتاب الذي ألفه "بانيني" في القرن الرّابع الميلادي، الأثر البارز في توضيح قواعد اللغة السنسكريتية مبيّنا فيه وواصفا النظام الصوتي والصرفي والنحوي لتلك اللغة وصفا دقيقا.
و لا تزال الأمم و الشعوب في العصر الحديث تولي أهمية بالغة للحفاظ على لغاتها و تطويرها و نشرها، من ذلك إقدام الدولة الفرنسية على التدخل في الواقع اللغوي عبر قوانين أصدرتها في سنوات 1490 و1510 و 1539 م ، و هذا الأخير هو الأشهر

و المعروف بقانون فيلي كوتري، و قد سعت هذه القوانين إلى إبعاد اللاتينية و الإسبانية و الإيطالية من الساحة الفرنسية .
كما أبعدت لغات فرنسا و لهجاتها الأصلية التي تعد بالعشرات ،

و من بينها اللغة الباسكية ، و اللغة الكاتالانية و اللغة البروطانية ، إلى جانب ما يعتبره ﴿ كلود هاجيج ) في كتابه : ﴿﴿ الفرنسية

و القرون )) بلهجات فرنسا ، كاللهجة الفلامانيكية المنتمية إلى اللغة الهولندية ، و اللهجة الألزاسية المنتمية إلى اللغة الألمانية

و اللهجة الكورسيكية المنتمية إلى اللغة الإيطالية
و قد قامت فرنسا بواسطة قانون ﴿ توبون ) ، سنة 1994 م بمنع استعمال اللغات الأجنبية خصوصا الأنجليزية في كل شيء بما في ذلك الإشهار. و وصل هذا القانون قمته عندما أراد ﴿ توبون ) ، وزير الفرانكفونية ، إزالة كلمات أنجليزية مترسخة في القاموس اللغوي منذ قرون .
و في العصر الحديث أدركت المجتمعات الراقية أهمية اللغة في حياتها وحياة الشعوب التي تريد غزوها ، وبسط الهيمنة عليها فأخذت تنفق "الأموال الطائلة" من أجل تصنيع الثقافة بلغاتها وتصديرها إلى جميع أصقاع العالم ، تصرف بها وجوه الناس إليها وتغزوهم في عقر دارهم عن طريق القنوات المرئية والإذاعات المسموعة والمجلات والكتب والصحف و الشبكات العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ... تفرض عليهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - نمط حياتهم وطريقة عيشهم، وأسلوب تفكيرهم، وتقدم لهم الحلول لمختلف المشكلات التي تهم حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي خضم هذا الواقع الذي تتصارع فيه مختلف الأمم والشعوب من أجل الحفاظ على لغاتها ونشرها وتطويرها ننظر بعين الحسرة

و الألم إلى المستوى المنحدر الذي آلت إليه اللغة العربية، لغة القرآن ، وقد ساهم كل منّا بقسطه في هذا الإنحدار الرهيب ، وجنينا جناية بالغة في حق أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة بل في حق اللغة العربية. يقول الأستاذ فاروق جويدة تحت عنوان ﴿﴿قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا)) :
﴿ اللغة العربية في محنة هذه حقيقة نكاد ندركها ونلمسها جميعا، ولكننا للأسف الشديد نقف أمامها مكتوفي الأيدي كمن يشاهد ابنه يصارع أمواج البحر ولا يحاول إنقاذه، ومحنة اللغة العربية ظاهرة يتصاعد دخانها أمام أعيننا منذ سنوات طويلة حتى وصلت الأحوال بها إلى درجة توشك فيها أن تصبح غريبة بيننا).
و سعيا منا إلى إنقاذ اللغة العربية و المساهمة و بلبنة بسيطة في مزيد إشعاع هذه اللغة الجميلة و إيلاؤها الأهمية التي تستحقها بوصفها تمثل هويتنا الوطنية و رصيدنا الحضاري حاضرا

و مستقبلا ، سنسعى – قدر المستطاع – إلى إبراز :
1 – الظروف التاريخية لتقدم اللغة و الخط العربي و تطورهما وانتشارهما ؟
2 – خصائص اللغة و الخط العربي و مدى تميزهما عن بقية لغات العالم ؟
3 – المخاطر المحدقة باللغة العربية سواء أكان ذلك من قبل

﴿

العرب ) أنفسهم أو من قبل أعداء اللغة العربية و المتربصين بها ؟.
و نختم هذا الباب بالحديث عن البدائل التي يطرحها أعداء اللغة العربية و مدى تفاهة ما يطرحون ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تسهل علينا كشف النقاب عن :
4 – كيفية النهوض باللغة العربية و مزيد نشرها و تطويرها ... ؟ و قد ختمنا بحثنا بتوجيه التماسا إلى المشرفين على وسائل إعلامنا و إلى المهاجرين من أبنائنا باحترام لغتنا الأم لأن في احترام لغتنا هو احترام لهويتنا و كينونتنا الحضارية.


الباب الأول


الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية و انتشارها


لقد أحب العرب القدامى ، قبل مجيء الإسلام ، لغتهم و تباروا في إتقانها و تجويدها واستعملوها في حلهم و ترحالهم، و في خطبهم و أشعارهم ... و شهدت منطقة الجزيرة العربية أسواقا أدبية عديدة من أشهرها : عكاظ و مجنة و ذو المجاز و غيرها .. و كان عكاظ أشهرها جميعا، فكانت تنتقى فيه القصائد العصماء التي اشتهرت باسم ﴿﴿ المعلقات )﴾ لتعليقها عند الكعبة بعد تمحيصها و خضوعها لإشراف و نقد دقيق وضعت نظمه قريش .

و بعد مجيء الإسلام ترقت بلاغة العرب بسبب نزول القرآن ﴿بلسان عربي مبين ﴾. فأصبح كلام المسلمين من العرب أعلى طبقة في البلاغة و أذواقها من كلام أهل الجاهلية في نثرهم و نظمهم ، فنجد شعر حسان بن ثابت و عمر بن أبي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق ... ثم كلام الشعراء في الدولة الأموية و صدر الدولة العباسية ارفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة و عنترة وابن كلثوم، و زهير و علقمة و طرفة و من كلام أهل الجاهلية، لأن هؤلاء قد سمعوا و حفظوا القرآن "وهو من خلق الله الواحد

و إبداعه المتفرد" و الذي عجز الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فنشأت على أساليبه نفوسهم ،فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية.
و لقد انطلق آباؤنا المسلمون من الجزيرة العربية زاحفين إلى أقاصي الأرض ، متجاوزين الآفاق البعيدة التي لم يحلموا بالوصول إليها من قبل ، ليؤدوا الأمانة الكبرى التي اختارهم الله لها دون غيرهم من سائر الأمم، و حمل رسالة الإسلام ونواميسه الفطرية الأزلية الخالدة إلى كل شعوب الدنيا . و قد كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة الإسلام . فبها وحدها يستطيعون نقل تعاليم الإسلام الحقيقية و آياته البينات إلى الآخرين،و بها وحدها يستطيع المسلم الجديد أن يكون مسلما حقيقيا ، مستوعبا ومستجيبا لكل أوامر الله و نواهيه في القرآن، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ﴿ تعلموا اللغة العربية فإنها من دينكم ﴾. و يقول أبو إسحاق ألشاطبي ﴿﴿ في الموافقات﴾) : ﴿إن هذه الشريعة المباركة عربية فمن أراد تفهمها فمن وجهة لسان العرب و لا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة﴾.
فالدين الإسلامي لم يكن مجرد عقيدة و تشريع و مبادئ يعتنقها المسلم فحسب، بل هو معجزة فنية ، لغوية و فكرية، معنى و مبنى، بعث الله بها إلى الأرض لتصغي إليها قلوب تحجرت فتلين ، و تتعلق بها عيون جفت فيها المشاعر فتتفجر بالدموع ، و عقول تراكم فوقها غبار القرون ، فانجلت و تجددت و اهتدت بنور الله وهي تستيقظ على هذا الصوت الرباني الذي جاء يتحداها فيما تحدت به من قبل كل البشر : البيان و البلاغة ، - معنى و مبنى -

و بذلك ارتكز المسلمون الأوائل الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإسلام

و مراميه ، على ازدواجية الدعوة لدى الشعوب المفتوحة : دعوة القلوب إلى الإيمان و الألسنة إلى التعريب . فدخل الناس في دين الله، و الألسنة في لغة القرآن أفواجا ، فصنعوا حضارة لا تزال معالمها إلى اليوم شاهدة عليهم .
و لقد مر الحرف العربي وصولا إلى ما هو عليه بمراحل تحسينية عديدة ،عبر سنواته الطوال ، بدءا بالحرف غير المنقط ، و قد كان يقرأ غير منقط و غير مشكول دون خطإ حتى من الصبية لأنهم رضعوا الكلام الصافي من المنهل الذي نهل منه آباؤهم فجاء كلامهم فصيحا.
فلما جاء الإسلام و أنار الدنيا بتعاليمه ، دخل الأعاجم فيه و اختلطوا بالعرب و تعلموا لغتهم ليفهموا تعاليم الإسلام و يحملوا مع إخوانهم أمانته ، فظهرت حينها أخطاء القراءة و الكلام ، فاجتهد أبو الأسود الدؤلي لمعالجة الموقف، فقام بوضع أول علامات لشكل اللغة العربية حيث طبقت لأول مرة على القرآن الكريم .
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف بحور الشعر العروضية و واضعها ، فزاد اللغة تحسينا و تجميلا آخر ، حيث طور حركات أبي الأسود الدؤلي بحركات أكمل وضوحا ، وهي نفس الحركات التي نستعملها اليوم .
و في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عهد إلى نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر إيجاد حل للتفريق بين الحروف المتشابهة كالباء والتاء و الجيم و الحاء و الخاء ... حيث قاما بوضع النقاط على الحروف المتشابهة ، و كانت هذه المرحلة أتم المراحل في تزيين الحروف العربية مما جعلها أكثر بهاء و بريقا و حماية للألسن من الخطإ .
و لقد تواصل اهتمام المسلمين بلغة القرآن الكريم ، و كانوا يعتزون بها و يفخرون ، حتى راحوا يذبون عنها كل شائبة ، و يبينون خصائصها ، و جمالها ... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار ، و برزت في سماء العلم أسماء رجال أجلاء عرفهم العالم و شهد لهم العلماء من جميع أصقاعه نذكر منهم بالإضافة إلى أبي الأسود الدؤلي و الخليل بن أحمد : سيبويه ، و أبي علي الفارسي ، وابن جني و ابن فارس ، و الثعالبي و السيوطي و الأصمعي و الجرجاني و قوافل أخرى ممن خلفوا لنا تراثا تفوق فخامته ما أتى به غيرهم و استوفت اللغة جميع جوانبها النحوية و الصرفية و الصوتية و المعجمية و البلاغية . و لقد تملك كل هؤلاء حب اللغة الفصحى، و أخلصوا للغة القرآن ، و ظلوا على ذلك حتى استوت علوم اللغة العربية و اكتملت فروعها . و عندئذ أضافوا استطردات مبسوطة وافتراضات كثيرة ، و طرقوا مسائل وهمية ، تخيلوها

و كدوا أذهانهم في حلها .
كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية ، و أبدعوا خطوطا جديدة زينتها بحلة قشيبة لا تزال تحتفظ بها و تنبض جمالا يأخذ بالألباب ، ذلك لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا كما يؤكد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
إن جمالية الحرف العربي ، و مرونته الساحرة و رشاقته الخاصة بما له من أشكال متعددة ، متصلة و منفصلة و لا سيما إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال عديدة ، و بصياغات جمالية متنوعة ، فتح الباب أمام فناني الحرف للتنافس في تجميله و تزويقه و تطويره جماليا باستمرار ، و لقد أولاه الدين الإسلامي الحنيف كل اهتمام ، من ذلك أن العديد من فواتح السور القرآنية تبتدئ ببعض الحروف : ألم ، ألمر، كهيعص، ق ، طه ، يس، ن ... ، و هل من تكريم للحرف أعظم من القسم به ، كما في سورة ﴿﴿ القلم )) : ﴿ ن ، و القلم و ما يسطرون) فالحرف يدل على ما في اللفظ ، و ما في اللفظ يدل على ما في الفكر ، و ما في الفكر يدل على الروح

و الروح تدل على عظمة الله خالقها و العالم بأسرارها ، من هنا جاء الإهتمام بتجميل الحرف تفصيلا و جملة ، فظهر في العمارة ،

و كأنه اللآلئ، مزينا المساجد و المآذن و القصور من الخارج

و الداخل بآيات الذكر الحكيم ، و العبارات المأثورة من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم و الحكم و غيرها .
لقد زين الرسامون المسلمون المساجد و المنازل و القصور في مختلف البلاد الإسلامية و جملوا الأثاث و السجاد و الملابس

و المباني على اختلاف أنواعها و الآلات كلها حتى المدافع و الكتب بتلك الحروف النورانية التي تكون مع بعضها البعض كتاب الله الخالد و الأزلي و المعجز ، و هناك من اللوحات البديعة التي لا تزال محفوظة في المتاحف و البيوت .
لقد انطلق المبدعون و جالوا و تفننوا في صياغة الحرف العربي

و تركيبه ، في أنحاء العالم الإسلامي ، فدرس الفنان تراكيب مختلفة ، مراعيا العلاقات التكوينية في دراسة الفراغات ، فكان همه استمرارية ابتكار التكوينات التي تتآلف من انسجام الحروف

و كأنها أصوات موسيقية مرئية ، تسمع بعينك و بروحك صوت اللآلئ المرصوفة ، حاملة الألفاظ القرآنية المباركة ، و كانت غاية الفنان أن يبدع في تراكيب و تآليف يغور فيها الناظر ، و يرتع مكحلا عينيه بجمالها .
و هذا الإهتمام بالحرف العربي نتجت عنه أنواع كثيرة من الخطوط ، اللينة و المزواة ، و أصبح الخط فنا جماليا ، و ارتبط كليا بالحضارة الإسلامية ، و ساد على باقي الفنون، و قد اشتهر من الخطوط : النسخ و الرقعة و الكوفي و الثلث و الفارسي و الديواني و تفرعت من هذه الخطوط خطوط كثيرة ، لقيت من الجميع الرعاية ، فأقدموا على دراستها و خاصة المسئولون من حكام و سلاطين

و أمراء ، قال أحد الشعراء :
يخطط مولانا خطوط ابن مقلة فينظمها نظم اللآلئ في السلك
فهذا عليه بهجة الخط وحدها و ذاك عليه بهجة الخط و الملك
و الوزير ابن مقلة السالف ذكره في بيت الشعر هو من وضع الأسس و الأنظمة الهندسية للحرف ، ثم ابن البواب، ثم ياقوت المستعصي الذي أصبح قبلة الكتاب في عصره ، ثم ابن الصايغ ثم شفيق ، و حقي و ماجد الزهدي و حسين حسني ، و عبد العزيز الرفاعي ، و حامد الآمدي و سيد إبراهيم و هاشم البغدادي و غيرهم . و لقد انفرد بأسلوب التعليق الفارسي ، مير علي التبريزي ،

و مير علي الهروي ، و مالك الديلمي و مير عماد الحسني و أسعد يساري و غيرهم .
لقد بذل هؤلاء الرسامون جهودا مضنية للارتقاء بالحرف العربي

و ساهموا بقسط لا يستهان به في تحقيق مجد اللغة العربية و الخط العربي حتى أن ﴿ بيكاسو ) عبر عن إعجابه بالخط العربي قائلا : " إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير وجدت الخط لعربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد ".
كما نسب للإمام علي كرم الله وجهه قوله: " الخط مخفي في تعليم الأستاذ، و قوامه على كثرة ألمشق، و دوامه على دين الإسلام ".فهو بحر واسع إلا أن معرفة أسراره وحدها دون التمرن المستمر على ألمشق لا تكفي ! و ماذا نحن فاعلون – حكومات و شعوب

و مفكرون و مبدعون – للحفاظ على رمز هويتنا الحضارية

و تنميتها ؟؟


الباب الثاني


خصائص اللغة العربية و مميزاتها

تمثل اللغة العربية إحدى اللغات العريقة ذات الماضي الأصيل ،

و التاريخ الحافل ، وهي لغة ثرية بأبجديتها الوافية التي تضم من الحروف ما لا يوجد كلا أو بعضا في لغات أخرى كالثاء و الحاء

و الذال و الضاء و العين و الغين و غيرها ، فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر لغات العالم .
و القارئ للعربية يجد العجائب و الغرائب في أصواتها و حروفها

و إملائها و بلاغتها ، في شعرها و نثرها ، فشعرها عقد منظوم تتلألأ منه أنغام الماضي و الحاضر و المستقبل ، بألحان مختلفة يلبي جميع الأهواء ، و نثرها جوهر منثور يزخر بألوان زاهية من البيان الساحر الأخاذ الذي لا يشبع نهم المشتاق و يشفي غليل الطراق ، وهي تفي بالقليل عن الكثير ، و تمج الغث و تعج بالسمين ، تترقرق من أفواهنا كماء الغدير تريح النفس بعذوبتها و تهدر كالبحر الهائج فتثير النفس و تشمخ بها نحو القمم ، و قديما قيل :" كلم اللسان أنكى من كلم السنان " فكم من شخص لقي حتفه بكلمة و آخر نجا من الموت بكلمة ، و كم كلمة رفعت صاحبها و أخرى أذلته .
و لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال هوية الأمة الإسلامية ، و لسانها الناطق ، و قلبها النابض و عقلها الواعي الذي يحوي تراثها

و ثقافتها و مجدها و رمز وحدتها ، و منذ مجيء الإسلام استطاعت اللغة العربية أن تؤدي رسالتها كاملة ، فتنشر الدين الإسلامي في جميع الآفاق ، و أن تستوعب بوفاء و أمانة علوم الأمم الأخرى

و ثقافتهم ،و هاهي اليوم تواصل رسالتها في الحفاظ على وحدة مجتمعاتنا الإسلامية بغير كلل أو إعياء . يقول المستشرق الألماني " بروكلمان " : " بفضل القرآن بلغت العربية من الإتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا. و المسلمون جميعا مؤمنون، بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، و بهذا اكتسبت العربية من زمان طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى".
لقد نص الله تعالى في كتابه الكريم على أنه أنزل " قرآنا عربيا "

و " بلسان عربي مبين " ملقيا بذلك المسؤولية في حمل الرسالة المحمدية إلى البشر على كواهل هذه اللغة الشريفة ، لأن الله قد شرفها بأن اختارها ، لأول مرة و لآخر مرة ، ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز حوى نصوصا حرفية من كلامه المعجز عز و جل ، توجه بها إلى الناس كافة معلنا لهم دينه الذي ارتضاه لهم ، و واضعا لدنياهم و لآخرتهم القواعد و الأسس الفطرية التي تصلح أن يستقيموا عليها و إلى الأبد . فهذه ميزة تنفرد بها اللغة العربية ،

و تتربع على عرش اللغات جميعا لأنها لغة القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين على سيد الخلق ، خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم : " و إنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين " ( سورة الشعراء الآيات 192 – 195 ) .
و هذا التكريم الذي خص الله به اللغة العربية جعل منها لغة عالمية لأن محمدا صلى الله عليه و سلم أرسل إلى الناس كافة ، كما جعل منها لغة باقية بما جاء به من تشريع أزلي يتماشى و فطرة الإنسان و خلقته صالح لكل زمان و مكان ،و ارتقى بها بما اشتمل عليه من عقيدة سليمة ، و مثل سامية ، و قيم رفيعة سامقة تتمثل في تحرير العقول من السفه و من كل المعوقات الفكرية التي قد تحجب عنها حقائق الوجود ، و تحرير القلوب من العمى و الدروشة ، و في الدعوة إلى الإيثار ، و التضحية ، و الحب و التسامح ، و الرحمة ،و الحق و العدل ، و التنفير من الرذيلة في أي مكان و أي زمان .

و كل هذا يجعل من اللغة العربية ضرورة حتمية لفهم القرآن

و مدلولاته الدقيقة و في ذلك يقول الشافعي : ( فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به بأن لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسول الله و يتلو به كتاب الله و ينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير و التسبيح و التشهد و غير ذلك . و مهما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته

و أنزل به آخر كتابه كان خيرا له ).
و يضيف ابن تيمية رحمه الله : ( فإن نفس اللغة العربية من الدين و معرفتها فرض وواجب فإن كتاب الله و السنة فرض و لا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
و يتابعه في ذلك أبو منصور الثعالبي في مقدمة كتابه : ( فقه اللغة و أسرار العربية ): " من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و من أحب النبي العربي أحب العرب ، و من أحب العرب أحب اللغة العربية التي تنزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم و العرب ". و قبل هؤلاء جميعا أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاقة الوثيقة و المتينة بين الدين الإسلامي الذي جعله الله سبب صلاح بني آدم دنيا و آخرة و بين اللغة العربية لغة أهل الجنة فقال: ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) . فأي مسلم هذا الذي يتنكر للغة العربية لغة القرآن و لغة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم !؟
إن اللغة العربية خصبة باشتقاقها و سهولته ، ثرية بكثرة ألفاظها

و تصريفها ، مما يكسبها مرونة خاصة ، و يمنحها عطاء متجددا ، و يجعلها أقدر اللغات على التعبير في كافة العلوم و الفنون و مختلف المجالات الحياتية ، يقول المستشرق " جوبيوم " في مقدمة كتابه (تراث الإسلام ): "إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها و اشتقاقها و خاصة ما يتصل بالفعل

و الإسم . فمثلا مادة الفعل "دار" يشتق منها : أدار، و دوّر،

و تدوّر،و تداور، و داور ، واستدار ، و دوْر ، و دوران و دوار،

و داره و دوّار، و مدار و مدارة ،و مدير،وهكذا .."
كما أن للعربية قدرة على التجريد و النزوع إلى الكلية و الشمول حيث تتلاقى كلماتها في الغالب على أصول تجمع بينها و تتجلى فيها ، فعلى سبيل المثال نجد الكلمات ذات الأصول من السين

و اللام و الميم تلتقي عند أصل يجمع بينها وهو التعري عن الآفات الظاهرة و الباطنة ، فيتمثل معنى التعري عن الآفات الظاهرة في قوله تعالى في سورة البقرة آية 71 : (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض و لا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ). فكلمة مسلمة تشير إلى أن الله قد سلم البقرة المطلوبة من العيوب أو سلمها أهلها من العمل. و يتمثل معنى التعري عن الآفات الباطنة في قوله تعالى في سورة الشعراء الآية 88 و 89 : ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). فالقلب السليم هو الخالي من الدغل واستبطان الحقد و العداوة أو السالم من الدنس و الشرك بالله أو السالم من البدعة المطمئن إلى سنن الله . و لقد صور لنا القرآن الكريم ما يعتري نفوس البشر و حالاتهم في المواقف المختلفة ، أدق تصوير ، بكلمات دقيقة تحمل كل منها معناها حتى و لو كان الإختلاف بين الكلمات في حرف واحد كما في كلمتي اهطاع و اهراع و قد ورد في لسان العرب قولهم : " لا يقال للإسراع في السير إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، و لا إهراع إلا إذا كان معه رعدة .

و يلاحظ أن هذا الإختلاف في المعنى في قوله تعالى : ( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى ألداع يقول الكافرون هذا يوم عسير) سورة القمر آية 7- 8. مقارنة بقوله تعالى : (ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون، و لقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) سورة الصافات الآيات 68 -71. هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز ، و ذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها ،و إلى التأكيد على إظهار هذه الحروف ، و لا سيما ما يحتاج منها في نطقه إلى ضغط أو نبرة معينة كحروف القلقلة ،

و الحروف التي تخرج من بين الثنايا ، و غيرها بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي لا تحفل بذلك ، فلا يكاد الحرف فيها يبين ، أو تكثر بكلماتها الحروف الساكتة ، أو التي يتلاشى بعضها في بعض أثناء النطق . هذه الخصوصيات التي تتميز بها اللغة العربية يجعلها تقبل عن جدارة الإعجاز البياني

و ضروبه مما لا يتوافر في الكثير من اللغات الأخرى لكون ذلك طبيعيا فيها بفضل جزالتها و دقة أوضاعها و إحكام نظمها واجتماعها على تأليف صوتي يكون موسيقيا محضا في التركيب

و التناسب بين أجراس الحروف و الملائمة بين طبيعة المعنى مما يجعلها قريبة من نفس كل إنسان لاتفاقها مع فطرته . و قد أدى كل ذلك إلى وجود كلمات ليس لها مقابل في اللغات الأخرى من ناحية الدلالة مثل : الحق – الرحمة – الرحمان – العالمين ... يقول الدكتور محمد جمال الدين الأفندي في الفصل الرابع من كتابه :

( الإسلام و قوانين الوجود ) : " و لا أظن أن هناك لغة تستطيع أن تعبر عن كثير من ألفاظ القرآن ، أو تستوعب معانيه غير العربية .. فقد كنت ضمن لجنة لترجمة معاني القرآن، - و لا أقول ألفاظ القرآن أو القرآن نفسه فهذا أمر مستحيل – و وقفنا طويلا أمام بعض الكلمات لا نجد لها مقابلا مثل كلمة " الرحمان" و كلمة " الله "

و حتى كلمة "رب " ليس معناها DOG المستعملة عادة في الترجمات و كلمة " العالمين " ليس معناها الكون و "عباد" ليست بمعنى عبيد و لا حتى خدم ".
إن هذا الإعجاز البياني يجعل من طواعية العربية الفصحى

و مرونتها و قدرتها على مطالب النفس الإنسانية بمشاعرها

و انفعالاتها لا تدانى ، و اللغة العربية مع هذا تمتلك من مقومات الجمال ما تستحق به عن جدارة أن يطلق عليها لغة الجمال ، يتجلى ذلك فيما حوته من روائع الكتاب و السنة ، و فيما زخرت به من حكم و أمثال و في خطها العربي بأنواعه المختلفة ( النسخ ،

و الرقعة ، و الثلث و الفارسي ، والديواني .. ) و غيرها مما لا تضارعها فيه لغة أخرى ، و في موسيقاها النابضة المعبرة الشجية الملونة التي تجد مجالها فسيحا في التنوين ، و الإدغام و المد ،

و الإمالة ، و السجع ، و غيره ، و في ألوان البديع ، و في بعض بحور الشعر كالمتقارب و المتدارك ، و الهزج ، و الرجز ،

و مجزوء بعض البحور كالوافر و الكامل و غيرهما .
إن هذه الخصوصيات الكثيرة التي تميزت بها اللغة العربية

و جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعا بما احتوت عليه من ضروب البيان و البلاغة و الإعجاز و سهولة الإشتقاق منها ،

و قدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها ، و أتراحها ، في هزلها و جدها ، في علومها و أدبها ، مما رشحها للتعبير عن كلمات الله التي تحدت الإنس و الجن أن يأتوا بمثلها فعجزوا : ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس

و الحجارة أعدت للكافرين) سورة البقرة الآيات 23- 24 .
كل هذا التميز لم يشفع لها من التراجع و الإنحدار إلى مستوى لم تعد تحسد عليه ، و أصبحت هذه اللغة الجميلة الرائعة تعيش محنة تذيب قلوب العاشقين لها حسرة و كمدا، أمام ما يتهددها من أخطار و مكائد تحاك لها من قبل الناطقين بها و غير الناطقين سواء وعوا بذلك أو لم يعوا.

الباب الثالث


المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث ؟

صلة وثيقة و متينة ربطت اللغة العربية الفصحى بالدين الإسلامي الحنيف،منذ نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، مما حدا بالمسلمين إلى اعتبار اللغة العربية من الدين و أس من أسسه " و إنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين " (سورة الشعراء الآيات 192 - 195) . وقد كان النبي محمد صلى الله عليه و سلم يفخر و يفرح كل الفرح بالإفصاح و يأبى اللحن و يقول : "و إن من البيان لسحرا "، مما نتج عنه اهتمام علماء المسلمين بها و كانوا يفخرون بها و يعتزون، كما راحوا يذبون عنها كل شائبة،

و يفردون لها المصنفات العديدة التي تبين خصائصها و تميزها،

و جمالها... فازدهرت العلوم اللغوية على أيديهم أيما ازدهار

و نشروها حيثما حلوا وارتحلوا...،
و منذ بدايات العصر الحديث ،أخذت الرابطة الإسلامية تتراجع كشكل من أشكال ضمانات البناء السياسي القائم و تحصينه ، أمام ضربات الإستعمار الغربي الموجعة وتقطيعه لأجزاء عديدة من الخلافة العثمانية و سقوط البلاد العربية الواحدة تلو الأخرى في براثن الإستعمار الغربي المقيت بدءا بالجزائر عام 1830م و تونس عام 1881م و مصر عام 1882م ... بالإضافة إلى اشتداد السياسة الإستبدادية التي سلكها السلاطين العثمانيون المتأخرون ، كل هذه العوامل أدت إلى درجة قصوى من التخلف و الإنحطاط

و الجهل ، فلم يعد هناك علماء و مفكرون إلا قليلون ، و قلت الرغبة في البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف الميادين العلمية

و اللغوية و الحضارية ، لأن الدولة لا تشجعها ، فليس إلا ترديد بعض الكتب الفقهية و النحوية و الصرفية و نحوها ، حتى قال السائح الفرنسي "ميسيو فولني" الذي زار مصر و بلاد المشرق العربي و خاصة الشام : (إن الجهل في هذه البلاد عام شامل ، مثلها في ذلك مثل سائر البلاد التركية ، يشمل الجهل كل طبقاتها ،

و يتجلى في كل جوانبها الثقافية ، من أدب و فن ...) . هذا التراجع الحضاري نجم عنه ركود في كل الميادين العلمية و اللغوية، فبقدر ما كان المد الحضاري الإسلامي يتراجع كان اللسان العربي يتقلص، لأن الإسلام هو الذي حافظ عليها، و صانها، و رسم لها الحدود النهائية التي استمرت عليها حتى الآن.
إن هذا التهلهل الحضاري الذي أصاب الناطقين بالضاد استغله الجاهليون و الوثنيون الجدد ليطعنوا في لغة القرآن و يرمونها بالقصور حينا ، و بالجمود أحيانا أخرى ، و بذلوا و يبذلون جهودا جبارة لمحاربة الفصحى ، و تحريك الأقلام المأجورة ضدها . لقد أدرك أعداء أمتنا الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية و الدين الإسلامي و بين الدين الإسلامي و مجد و وحدة المسلمين ، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم و البداوة و ألقوا عليها مسؤولية تخلفنا رافعين شعار " من أراد التقدم و الرقي فلا يتكلم العربية "زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة و أنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
إن محاربة اللغة العربية الفصحى قد تشكلت في أشكال مختلفة وارتدت الأقنعة المتنوعة ، و تلونت بحسب الظرف الزماني

و المكاني لأعداء أمتنا و لغتنا ، و إن اتفقت جميعها على استبدال اللغة العربية الفصحى بلغات المستعمرين أو باللهجات الدارجة للدول الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف اللاتينية لمسخها

و القضاء على صحة النطق بها ، أو تغيير الأساليب البيانية

و البلاغية للغة الفصحى ...
فقد شنت فرنسا منذ احتلالها للجزائر يوم 5 جويلية 1830م حربا لا هوادة فيها ضد اللغة العربية ، فأغلقت المدارس التي كانت مزدهرة قبل الإحتلال ، ثم اعتبرت اللغة العربية أجنبية حرم استعمالها في مصالح الحكومة ، و كانت فرنسا تعاقب كل من ينشئ مدرسة لتعليم اللغة العربية . أما المدارس التي أنشأها الفرنسيون فكانت كلها مدارس فرنسية ، و كانت الجامعة الجزائرية التي أنشئت عام 1887جامعة فرنسية أيضا ، و لا يدخلها من الجزائريين إلا من تكون له حظوة لدى المحتلين . كما بذل الفرنسيون جهودا كبيرة و قاموا بأعمال مستمرة لتنصير بعض أبناء القرى الجزائرية ، و هدم المساجد و تحويلها إلى كنائس .

و في يوم 8 مارس 1938م أصدر ميسيو " شوطان " الفرنسي قرارا يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ،و كان القرار – في حقيقته – امتدادا للقانون السابق صدوره في 24 ديسمبر 1904م ، و الذي يمنع تعليم العربية في جميع مدارس الجزائر ...
و في مصر دعا اللورد " دفرين " البريطاني سنة 1883م إلى محاربة العربية و الإهتمام باللهجات العامية ، و سار على نفس النهج " ولييم ديلكوكس " سنة 1892م ، و كان " ديلكوكس " هذا يعمل مهندسا للري في مصر ، فقام بترجمة الإنجيل إلى ما أسماه باللغة المصرية . و تبعه القاضي الإنكليزي "ولمور" الذي عاش في مصر و ألف سنة 1902م كتابا باسم ( لغة القاهرة ) واقترح فيه قواعد نصح باتخاذها للعلم و الأدب ، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية . و كان الهدف من بذل كل هذه المجهودات هو القضاء على لغة القرآن ، لغة الإسلام الوحيدة و تحقيق حلم " ولييم جيفور دبلجراف " الذي قال : ( متى توارى القرآن و مدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في قبول الحضارة المسيحية التي لم يبعده عنها إلا محمد و كتابه ) !؟
و على نفس هذا النسق سارت بقية الدول الإستعمارية الأخرى في مختلف البلاد العربية و الإسلامية ، ساعية جهدها إلى قبر اللغة العربية و من ثم قبر الهوية الإسلامية لشعوبنا . و واصل هذه المجهودات الإستعمارية الجبارة في وأد اللغة العربية مجموعة هامة من حلفاء الإستعمار و الذين باعوا أنفسهم للشيطان ضد مصالح أمتهم العربية و الإسلامية و على رأس هؤلاء و أخطرهم يأتي سلامة موسى في كتابه ( البلاغة العصرية و اللغة العربية ) فقد تناول هذا الأخير في كتابه مخطط الهجوم على اللغة العربية

و انتقاصها و الدعوة إلى العامية لتكون مصدر البلاغة العصرية زاعما أن الفصحى لا تستطيع التعبير عما تستطيع العامية أن تعبر عنه . ؟! فدعا إلى الأسلوب التلغرافي و مهاجمة الأسلوب البياني ، و إلغاء الحرم و العرض من اللغة بدعوى أنه تراث لغوي قديم يحمل عقدة اجتماعية يجب أن نكافحها ، كما دعا إلى الكتابة بالحروف اللاتينية و إدخال الكلمات الأعجمية دون قيد ، و هو بهذه الدعوة أراد في الحقيقة أن يكون الأسلوب خاليا من الروعة و البراعة و الجمال و الموسيقى التي تميز اللغة العربية ، فلا يمتاز عن أسلوب الخطاب المعتاد المتداول في الشؤون اليومية ، متعمدا تجاهل أن الأديب شاعرا كان أو كاتبا ، إنما يفتن القلوب و يسحر العقول بألفاظه . و ليس اللفظ رمزا يشير إلى فكرة و معنى فحسب، بل هو مجموعة من صور و مشاعر أنتجتها التجربة الإنسانية

و بثها اللفظ ، فزادت خصبا و حيوية ، فالألفاظ تصدر عن الأديب مشحونة بعواطفه و تجاربه و تحمل مكنونه الذي اختزنه على مر العصور في خصائصها و سماتها ، و الأسلوب التلغرافي الذي دعا إليه سلامة موسى لا يحقق شيئا من ذلك لأنه قائم على النفع وحده لا على الجمال . و لو أن الأسلوب لا قيمة له إلا أن يكون تلغرافيا يسفر بين الناس بالمنفعة وحدها ما حرص الأدباء على تجويد أساليبهم في اللغات كلها و لاستوت العبقرية و التفاهة ، و القدرة

و العجز ، بل هي مؤامرة على اللغة العربية لاجتثاثها من النفوس و إرباك عشاقها بتفاهات ما كان ينبغي أن تصدر عن الدكتور سلامة موسى الذي يدعي في العلم معرفة ؟! و يبقى أكبر دليل على كذب هذا الرجل، و وهمه و خبث طويته، أنه كان يدعو إلى العامية مستخدما في ذلك الفصحى، يدعو إلى العامية وهو يتكلم الفصحى ... إنه لم يستطع أن يتخلص من لغة أمته الفصحى فكيف تعجز الفصحى عن التعبير عما زعم !!؟ و قد واصل مجهوده سعيد عقل اللبناني داعيا إلى استخدام اللهجة العامية و كتابتها بالحروف اللاتينية قائلا : "من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن " . و رصد جوائز عديدة لمن يكتب ديوانا للشعر باللغة العامية ،

و كتب ديوان ( يارا) بلغة عربية في أحرف لاتينية وهو (رجل حراس الأرز) الذين جعلوا شعارهم قتل الغرباء ( أي قتل المسلمين). و تقدم عبد العزيز فهمي عضو المجمع العلمي المصري سنة 1942م باقتراح يقضي باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية و شغل المجمع العلمي ببحث اقتراحه ثلاث سنوات. و لعل التاريخ لن ينسى مجرما لم يكتف بالدعوة إلى ذلك بل دخل بنفسه المدارس معلما الحروف الجديدة للمدرسين

و الطلاب...؟! إنه ذلك اللقيط الذي حارب المسلمين و أسقط الخلافة الإسلامية ( كمال أتاتورك ).
و في سنة 1973م انعقد في لبنان مؤتمر ضم عددا من أساتذة الجامعات في أمريكا و أوروبا و البلاد العربية و بحث فيه اقتراح فرنسي قدمه "جاك بيول " و "أندريه رومان "و " رولان مانييه " باستعمال اللهجات العامية الدارجة و ذلك بحجة أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه !
و تنوعت دعاوي هؤلاء الإمعة و تبريراتهم ، فمنهم من حاول إقناع الجماهير بأن اصطناع اللغة العامية في الأدب و الصحافة إنما اعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير فيه ، و منهم من زعم أن للعامية قدرة على الوفاء بحاجات البشرية و قدرة على التعبير عن مطالب الحياة العصرية ، و أنها وسيلة ميسرة لتثقيف الجماهير الشعبية و تقريب الثقافة منهم ...إلخ .
إن أية دعوة تحاول النيل من اللغة العربية في قليل أو كثير ، مهما لبست من أقنعة ، و زخرفت من قول إنما هي دعوة مسمومة مفضوحة يريد بها أصحابها أن يطفئوا نور الله ، و يخربوا هوية الأمة الإسلامية حتى يسهل لهم بعد ذلك تذويبها و تركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح امتنا . إن هذه الدعوات المشبوهة تريد أن تطمس شخصيتنا و تميزنا الحضاري ، و تسعى إلى دمجنا و صهرنا إلى حد الذوبان في " الآخر العدو" لتحيلنا في النهاية إلى أذناب ليس لهم حول و لا قوة . و لكن هيهات ... هيهات !! فاللغة العربية خالدة، لأنها لغة القرآن، و القرآن خالد ما دامت السماوات و الأرض ... يقول عز و جل: (( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظن ) ) سورة الحجر الآية 9.
إن اللهجة العامية التي يريدها أعداء امتنا بديلا عن اللغة العربية الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد إلى آخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها ، مضطربة في قواعدها و أساليبها حتى أن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ، كما أنها لا تقوى على الشؤون الدقيقة و روح الإنسانية ، لان الفكر إذا لم تسعفه وسيلة قوية و أداة مواتية في التعبير عنه خمدت جذوته

و ضعف شأنه و حينئذ يضيق نطاقه . و هذا من شأنه أن يخمد الثقافة العربية الإسلامية و ينكص بها إلى الوراء . إن الدعوة إلى استعمال الدارجة و القائلة بتقريب الثقافة من الجمهور لهي دعوة كاذبة و ساذجة ، إذ الأحسن من ذلك هو الإرتقاء بذوق القارئ ،

و لا ننسى أنه بنفس هذا المنطق يمكن أن يروج للفن الهابط و الذوق السمج و الأخلاق الهابطة بدعوى أنها من "إبداع "الجماهير ، يقول العقاد : (( اللغة العامية لغة الجهل و الجهلاء و ليست بلغة الشعبيين ، و لا من يحبون الخير للشعوب ، لأن الغني الجاهل يتكلم العامية و لا يقرأ اللغة الفصحى و لا يمتاز بفهمها على الفقراء )).
أما الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية ، فيعتبر مسخا لها و قضاء على صحة النطق بها. فعلى سبيل المثال يعبر بالحرف : D عن كل من حرفي الدال و الضاد مما يؤدي إلى الخلط بين حرفي الدال و الضاد و وضع كل منهما مكان الآخر . و كذلك الحال بالنسبة للتعبير عن حرفي العين و الهمزة بالحرف اللاتيني A. كما يعبر عن حرفي الهاء و الحاء بالحرف اللاتيني H ، و قس على ذلك العديد من الحروف الأخرى .
لقد قامت فرنسا الإستعمارية برسم مشروع منفرد أطلق عليه مشروع الفرانكفونية يهدف إلى { فرنسة } كل دول إفريقيا و دول جنوبي شرق آسيا الفقيرة منها على الخصوص "فيتنام "مثلا ،

و أوروبا الشرقية و بعض الدول الأمريكية انطلاقا من "كيبك "الكندية ، و هذا المشروع الفرانكفوني له عشرات الأنشطة و المؤسسات التي تخدمه . و يبقى الهدف الرئيسي لفرنسا الإستعمارية هو توطيد الفرنسية في المغرب العربي و شمال إفريقيا .. فماذا فعلنا نحن لمواجهة هذا الغزو الحضاري و حماية لغتنا من الإنحدار الرهيب الذي تعيشه لغتنا الوطنية حتى صارت غريبة بيننا ؟! إنه لشيء مخجل حقا أن نعلم أن كثيرا من الدول العربية تشارك في مؤتمرات القمم الفرانكفونية أو في إحدى المؤسسات الفرانكفونية (كتونس ، المغرب ، لبنان ...) مع العلم أن هذه الدول العربية ليست بدول فرانكفونية ،و إنما توجد بها أقلية فرانكفونية ، غالبا ما تكون من الطبقة الموسرة التي تسيطر على أغلب الوظائف العليا في الدولة . و نعود لنتساءل : ماذا يدفع هذه الدول إلى التهافت من أجل المشاركة في المؤسسات الفرانكفونية و الإصرار على الحديث بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و أهلك حرثنا

و نسلنا و يسعى جاهدا لقبر هويتنا العربية الإسلامية؟!
إن الجواب يكمن في أن الفرانكفوني العربي – رمز التخلف

و الإنبتات الحضاري – عنده عقدة المتخلفين ألا وهي عقدة الشعور بالنقص. فعندما يتكلم اللغة الفرنسية يحس بأنه ترقى إلى أعلى مستويات التقدم الفكري بينما ينظر إلى اللغة العربية كأنها لغة المتخلفين و رعاع الناس ، و الحقيقة الساطعة تفند هذه المزاعم ، فلقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة التقدم و الحضارة باستطاعتها أن تستوعب كل ما تنتجه الحضارة البشرية في مختلف الفنون و العلوم ، و قد برهنت على ذلك عندما نقل المسلمون فلسفة و علوم اليونان و الرومان و الفرس و الهنود ، و حولت كل ذلك إلى ثقافة واحدة ، وهي الثقافة الإسلامية . لقد دخلت في الإسلام شعوب و شعوب ، و لو قدر لهذه الشعوب جميعا أن تمتلك اللغة العربية ألسنتها كما امتلك الإسلام قلوبها ، لما كانت هناك اليوم مشكلة تواجه لغتنا رمز هويتنا و فكرنا و وحدتنا ، أما و قد انقسم المسلمون و أصبح كل حزب بما لديهم فرحين .. و سيطرت على كثير من الشعوب الإسلامية حالة "اللامسؤولية " تجاه اللغة العربية التي أصبحت بفضل القرآن لغة إسلامية عالمية ، واستغنوا عن القرآن بشروحه المترجمة ، القاصرة لطبيعتها البشرية ..

و أنى لهذه الترجمات أن تنقل لأولئك إعجاز البيان القرآني ، بل إعجاز الفكر القرآني الذي لا يمكن أن تنقله كاملا ترجمة للنصوص و لا ترجمة لمعاني النصوص : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا ) سورة الكهف الآية 109.
إن السبيل الوحيد لبناء المسلم الحقيقي على الأرض في أي زمان

و أي مكان هو إتقانه للغة الإسلام الوحيدة ، اللغة العربية ، لأن المسلم الذي لم يتمكن المسلمون المتأخرون من تبشيره بالعربية بعد أن بشروه بالإسلام لم يعد قادرا على أن يكون مسلما حقيقيا : مسلما يقرأ القرآن فيتدبره و يؤدي الصلاة فيخشع لمعانيها ،

و يردد الأذكار و الأدعية فيطمئن قلبه لما فيها ... هذا المسلم لن يكون صورة حقيقية عن الإسلام لأن الإنفصال بين المسلم و العربية ينتج حتما الإنفصال بين المسلم و الإسلام القرآني الصحيح ، ذلك لان اللغة العربية وحدها استطاعت أن تعبر عن كلمات الله بدقة

و إلا لما كان هناك داعيا لأن يختارها الله من بين جميع لغات العالم مؤكدا على قدرة اللغة العربية على الإبانة و التوضيح ( بلسان عربي مبين). لذلك تبقى اللغة العربية الوحيدة التي يمكن للمسلمين في جميع مشارق الأرض و مغاربها أن يجتمعوا عليها ، فيتناقلوا فيما بينهم مؤثراتها الفكرية و الجمالية .
لقد مثلت اللغة العربية و لا تزال لغة حضارة خالدة أولت الجانبين المادي و الروحي معا اهتمامها ، و حققت الإعتدال و الوسطية ، وهي ليست تلك اللغة اللاهوتية التي تحاط بهالة من التقديس تحجبها عن تلبية حياة المجتمع ، و تتركها قصية عن القيام بدورها في الحياة ، وهي ليست أيضا تطرح الدين جانبا لتنساق مع تيار يعجل بها إلى التذويب و فقد الهوية ، و أنى لها المقدرة على إبعاد الدين ، و إقصاء القرآن الكريم ، و التنكر لفكر المسلمين وهي التي استمدت من كل هذه الأسباب القوة و المنعة و طول العهد و العالمية . وهي ليست كذلك تلك اللغة المرتبطة بفترة زمنية قصيرة هدفها إشباع حاجات مادية أو علمية مؤقتة ، بل لقد عبرت اللغة العربية قديما و حديثا بحق و بصدق عن المفاهيم و المشاعر و المعاني التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة و دروبها ، تقوى و تينع بقوة المسلمين و عزتهم و تضعف بضعف المسلمين

و تخلفهم. فلا مجال لأن تتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم نحن بالتخلي عن دورنا الحضاري في قيادة الشعوب و بلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا. ولنكن متأكدين أن اللغة العربية لن تضن علينا حينئذ بمفرداتها و تراكيبها و بلاغتها التي تؤدي بدقة عجيبة ما بلغناه من رقي حضاري و نماء ذوقي و اتساع معرفي و تمدن . فهي قد حوت واتسعت معاني القرآن المعجزة ، و نقلت لنا حضارة المسلمين في الطب و الهندسة و الجغرافيا و الحساب و التاريخ و التفسير و الشعر و الأدب

و غيرها من العلوم و المعارف ، فكيف نقبل اتهامها اليوم بالعجز عن حمل المعارف العصرية و التعبير عنها و لا نتهم أنفسنا بالعجز و الكسل و التفريط فيمن جعلها الله لغة أهل الجنة في الجنة ؟! اللهم إلا أن تكون هذه اللغة الجميلة الجليلة قد استحيت من حمل تخلفنا

و عجزنا و ركوننا إلى الذلة و المسكنة ، و قبولنا لأعداء الأمس

و اليوم أن يكونوا علينا سادة و نجعل لهم علينا سلطانا مبينا بعدما كنا لهم قدوة و أسيادا ، و خير أمة أخرجت للناس .

الخاتمة


اقتراحات للنهوض باللغة العربية

إن استقراءنا التاريخ اللغوي يدعونا لأن نزعم بأن اللغة – أية لغة – لا يمكن أن تتطور و تزداد مفرداتها و تينع تراكيبها و يترسخ جمالها و تنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة و المعاني الجليلة ، و كثرت الإكتشافات و الإختراعات ، و أبدع الناس في كل المجالات الحياتية و المعرفية و التكنولوجية ، حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور و الرقي و الإزدهار عن طواعية ، و تسلم قيادها للمبدعين ، فالإنسان إذا ما أبدع أو ابتكر معنى جديدا أو اكتشف شيئا لم يسبقه إليه أحد فإن لغته التي يستعملها لا يمكن أن تضن عليه باللفظ و التركيب الجميل الذي يعبر له و بصدق عما أراد تبليغه للناس ، و عندئذ يجد الآخرون أنفسهم مجبرين على تبني اللفظ الذي عبر به ذلك الإنسان المبدع عن إحدى بنات أفكاره ، إما حرفيا و إما مترجما بصورة لا يمكن أن تكون مطابقة تطابقا كليا مع اللفظ الذي وقعت ترجمته ، ولنأخذ مثلا الشاعر الفيلسوف "محمد إقبال " ، فهو علم فذ من شعراء الإسلام ، خسر الناطقون بغير الأوردية أو الفارسية شعره لأنه لم يكتب بلغة الإسلام ، اللغة العربية ، اللغة التي يمكن للمسلمين جميعا أن يجتمعوا عليها .

و إذا ما علمنا أن الشعر في أحدث تعريف له هو : ( الجزء الذي نفقده عند الترجمة ) عرفنا أن إقبال لم يكتب للمسلمين جميعا ، بل لجزء من المسلمين فحسب ، و لو كتب محمد إقبال باللغة الإسلامية ، لغة المسلمين جميعا ، لغة القرآن الكريم ، لكان هو الشعر الإسلامي . و هكذا ، فكلما ازداد المبدعون الذين ينتمون إلى أمة كلما تطورت لغة تلك الأمة واتسع قاموسها اللغوي و كثرت المعاني الجميلة بها ،و أقبل عليها الناس واستعملوها في حلهم و ترحالهم .. في أحاديثهم و خطبهم و كتاباتهم و مختلف إبداعاتهم. لذلك يبقى الشرط الأساسي لتطور لغتنا العربية ، و تحقيق الإنتشار اللازم الذي نطمح إليه : أن تستعمل من قبل المبدعين العرب

و المسلمين في شتى صنوف المعرفة بحسب تخصصاتهم المختلفة ، فلا يكتب الشاعر المسلم إلا بلغة القرآن مهما كانت الأرض التي يقيم بها . و كذلك يقتضي واجب الأديب المسلم و الفيزيائي المسلم و الطبيب المسلم و رائد الفضاء المسلم و كل صاحب اختصاص أن يكتب بلغة الإسلام الوحيدة كي تكون إبداعاته و اكتشافاته واختراعاته... تنتمي كلها إلى الحضارة الإسلامية التي يجب أن تسود العالم مرة أخرى بعدما أفلست الحضارة الغربية و بان عوارها في كل مكان .إن الإستعمال الصحيح للغة الفصحى من قبل أهل الإختصاص هو الذي يحييها ، و يوقظ ما أهمل من ألفاظها ،

و يقوم من تراكيبها ، وهي وسيلتنا جميعا للإفادة بما في القرآن

و التراث الإسلامي من كنوز ، كما أنها أداة تفكيرنا للتقدم في ظل عقيدتنا التي تحثنا على التسامح و النضال من أجل التقدم و الرقي و البحث العلمي و التطور الإجتماعي .. وهي لساننا و لغة قرآننا

و أمانة لأبنائنا وجب علينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها حتى تنمو

و تينع و تتفتح و تنتشر. يقول أحد الشعراء :
لا تلمني في هواها أنا لا أهوى سواها
و في انتظار أن يتحقق هذا الحلم لا بد أن نعجل بخطوات عملية – شعوب و حكومات – تقرب لنا ساعة الإنفراج و التحرر الفكري لإزالة آثار الغزو الحضاري للغرب الإستعماري الذي يسعى دائما لمسخ شخصيتنا و أصالتنا الإسلامية :
1 – ضرورة أن تكون الأحاديث في الإذاعة و التلفزة و مختلف وسائل إعلامنا الحديثة باللغة العربية السليمة ، و كذلك الأغنيات الشعبية، و التمثيليات ، و المسرح ... فكل هذه الوسائل ذات تأثير لا يجهل أحد قيمته و أن تترجم الأشرطة أو المسلسلات الأجنبية إلى العربية السهلة مباشرة أو عبر الدبلجة و نفس الشيء بالنسبة للإشهار .
2 – يتعين فتح الأقسام الليلية لتعليم العربية للكبار و الصغار ، نساء و رجالا ، و الإستعانة بجهازي الإذاعة و التلفزة يبث المختصون من خلالهما البرامج التي تعلم أفراد الأسرة كلها كيف يكتبون و ينطقون لغتهم الأصلية .
3 – الإكثار من الكتاتيب العصرية (إستعمال الحواسيب و التقنيات السمعية البصرية) التي تحفظ القرآن الكريم للناشئة و ترك الفرصة للمتطوعين و الخواص من أصحاب الشهادات العليا ليقوموا بذلك .
4 – إصدار قرارات لتعريب كل اللافتات التي تدل على مكان أو محل أو مؤسسة أو مصلحة أو شركة عمومية أو خاصة أو شارع ... و لكي يتم تنفيذ ذلك بيسر و نجاعة لا بد من تجنيد نخبة ممتازة من الأساتذة و المعلمين و الخطاطين و المناضلين لخدمة هذه القضية ، و يتم التنفيذ بعملية محو الحرف اللاتيني أينما وجد ، واستبداله بلغة عربية سليمة .
5 – إصدار قرارات تقضي بجعل اللغة العربية وحيدة الإستعمال في ميدان الإدارات العمومية و الجمعيات ، و المقاولات و المؤسسات و الصحافة و التعليم ما عدا في أقسام تعلم اللغات الأجنبية .
كل هذه الإقتراحات سهلة التنفيذ إذا صدقنا العزم في الحفاظ على هوية الأمة و لسانها الناطق و قلبها النابض و عقلها الواعي . فهل من مجيب ؟

ملحق


لغتنا الفصحى... واقع و آفاق !

في وطننا العربي هناك من يتمعش بهويتنا الحضارية ، يغامر بلغتنا العربية ، يزعم بأن اللهجة الدارجة المحلية أفضل و أنجع من لغة القرآن ، اللغة التي كتب بها الجاحظ و المعري وابن سينا وابن خلدون ... و غيرهم من جهابذة الحضارة الإسلامية و لسان حاله يقول بفجاجة: " من أراد التقدم و الرقي و اللحاق بركب الحضارة الغربية، فلا يتكلم العربية الفصحى "!؟ ، وأما حجته في ذلك ، فهي أن الإستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه، واستعمال اللهجة الدارجة لكل بلد هو إعتراف بحق الجماهير في العلم و التأثير !!؟

و هنا يتبادر إلى الذهن، أي علم سنكتبه بلهجات تفتقر إلى المصطلحات العلمية و الأدبية و حتى الإنسانية البسيطة التي تشتمل عليها اللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى اختلافها من بلد إلى آخر ، كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه و أجيال أبنائه !! لقد استنبطت الشعوب هذه اللهجات المحلية لتيسير التعامل اليومي بينها و قضاء الحاجات اليومية البسيطة، فكيف نسمح باتخاذها للتعبير عن حضارتنا و تمددننا و إبداعاتنا و ابتكارات أبنائنا ؟
و إني أتحدى كل من تحدثه نفسه باتخاذ اللهجات الدارجة بديلا عن اللغة الفصحى أن يكتب مقالا بلهجة دارجة عن نظرية ابن خلدون مثلا في العمران البشري أو ابن سينا و الرازي في الطب أو غيرها من النظريات العلمية أو الأدبية قديمة كانت أو حديثة .
أيها السادة يا من تحملون على عاتقكم مسؤولية الإعلام ، ارفقوا بنا و بلغتنا / لغتكم ، و حاولوا أن ترتقوا بمواطنيكم باختيار لغة فصيحة بسيطة و سهلة دون تقعر، عوضا عن لهجة دارجة ركيكة ركاكة من يتبناها ، تزيد الذوق تدنيا بحكم اشتمالها على ألفاظ سوقية مستهجنة نزعم أنكم أربأ من الإنحطاط إلى مستواها .؟
أيها السادة اقرؤوا التاريخ و راقبوا الأمم المتقدمة كيف تحافظ على لغاتها المعيارية (الفصحى) لأن اللغة وحدها تعكس ما بلغته الشعوب من رقي و تقدم في كافة مجالات الحياة. إن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و تبعيتنا المهينة للغرب و ليس عجز اللغة العربية أو تخلفها و عجزها . فهي مرآتنا في الحضارة و التمدن !
أيها السادة ثقوا كل الثقة أنكم متى اعتززتم بأنفسكم و حضارتكم

و لغتكم رمز هويتكم ، و سرتم على درب البحث و التنقيب و الكد في كافة ميادين الحياة لتقوية أمتكم و حماية هويتها من الأعداء فلن تضن عليكم هذه اللغة الجميلة بكل غال و نفيس لفظا و تركيبا و معنى ، مبنى و معنى ، فعلينا أن نهبها ألبابنا و نرعاها بمهجنا حتى تنمو و تينع و تتفتح و تنتشر .


رفقا بلغتنا أيها المهاجرون !!


من الظواهر التي أصبحت تلفت الإنتباه إليها و تعبر عن بعد من أبعاد أزمتنا الحضارية في العصر الحديث ، هو تخلي الجيل الجديد من جاليتنا بالخارج عن لهجتنا الدارجة المستمدة أساسا من لغتنا العربية الفصحى!؟ فأصبحنا نرى و نسمع في شوارعنا أطفالا و شبابا تونسيين يتحاورون باللغة الفرنسية ، بل و فيهم من يحرص كل الحرص على أن يسمعك صوته عاليا وهو يتخاطب مع أبيه أو أمه أو أخيه ... بلغة فرنسية غير سليمة في الغالب الأعم، مستهترين بكل قيمنا و سماتنا الحضارية التي تعتبر اللغة العربية أسا من أسسها. بل إن ما يبعث على الدهشة حقا أن ترى أما تكلم طفلها- فلذة كبدها - بلغة فرنسية ساعية جهدها لتعليمه كيفية التخاطب بلغة من استعمرنا بالأمس القريب و خرب حرثنا و نسلنا و لا يزال يسعى جاهدا لقبر هويتنا الحضارية. و إذا سألت أحدهم : لم هذا الحرص على إنكار جذورك؟ صمت و لم ينبس ببنت شفة ، فتفهم أنه يقلد تقليدا أعمى لا يعرف هو نفسه مآله و مصيره . بل لعل هذه الظاهرة المرضية تكشف عن شعور بالنقص دفين لدى هؤلاء " المتفرنسين "و اعتقادهم الساذج أن في استعمالهم للغة من عاشوا بينهم لأسباب مهنية بحتة سترفع من قيمتهم بين أهلهم و ذويهم و تجعلهم في نفس المقام الذي بلغه المجتمع الفرنسي مثلا .؟!
و هذا لعمري خطأ فادح لأن فرنسا لم تصل إلى ما وصلت من تمدن حضاري و تقدم إلا باحترامها لقيمها و أصالتها الحضارية و على رأس كل ذلك يأتي احترام المواطن الفرنسي للغته الأم ، و إني أتحدى أي تونسي – يعيش على الأرض الفرنسية – أن يرى فرنسيين يتخاطبان باللغة العربية مثلا أو باللغة الألمانية ... بل إن السلطات الفرنسية اتخذت قرارا يقضي بأن يغرم الفرنسي الذي يستعمل مصطلحا غير فرنسي له ما يقابله في اللغة الفرنسية، مما ينم عن وعي هؤلاء بقيمة اللغة في الحفاظ على هويتهم الحضارية ، و من فقد هويته أنى له أن يبني حضارة أو يصنع تمدنا ؟؟!
فرفقا بنا و بلغتنا أيها المهاجرون و احترمونا كما نحترمكم و نجلكم !!


المحتــــــــــــــــــــــــوى
المقدمة : قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا 3
الباب الأول: الظروف التاريخية لتطور اللغة العربية وانتشارها 7
الباب الثاني : خصائص اللغة العربية 14
الباب الثالث : المخاطر المحدقة باللغة العربية في العصر الحديث 21
الخاتمة : اقتراحات للنهوض باللغة العربية 32
ملحق
لغتنا الفصحى ... واقع و آفاق 36
رفقا بلغتنا أيها المهاجرون 38