الكاتب:
محمد بن سالم بن عمر مولود في 15 أكتوبر 1969
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة متزوج.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي.
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري\ الحضاري...
صدر له كتاب اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995
و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة... كما نشرت له بعض المجلات العربية كالمجلة العربية و الفيصل و المنهل .. بعض المقالات الفكرية الحضارية..
له مخطوطات عديدة:
- نقد الاستبداد الشرقي عند ألكواكبي و اثر التنوير فيه (بحث أكاديمي).
- الفن و شروط الإبداع (بحث أدبي).
- صرخة (رواية).
- حديقة المسلم(مختارات حكمية).
- ديوان المسلم( مختارات من الشعر الإسلامي).
- *عنوان الكاتب : محمد بن سالم بن عمر 12 شارع الجمهورية سيدي بوعلي 4040- سوسة – الجمهورية التونسية .
- * الهاتف الجوال : 23038163( 216).
--------------------------------------
الخضوع لربوبية الله وحده
أس وحدة الأمة الإسلامية و قوتها و تقدمها
خلق الله عبده ادم من طين و نفخ فيه من روحه و اسجد له ملائكته تكريما له. و اسكنه الجنة مع زوجته حواء عليهما السلام..إلا أن إبليس أبى الخضوع لأوامر الله بالسجود لأدم بدعوى" عقلانية جاهلة" صورت له أن أصله أفضل من ا صل ادم(النار) متجاهلا أن الله قد نفخ في عبده ادم من روحه و متغافلا عن أن أوامر الله لا ترد – لأنه رب كل شيء – لذلك حلت عليه لعنة الله إلى يوم الدين..
أما ادم و زوجه فقد اتبعا هواهما بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها.. فاستحقا الهبوط من الجنة إلى الأرض و قد اعطاهما الله فرصة أخيرة للعودة إما إلى الجنة وإما إلى النار...! و انزل معهما كتابه الذي احتوى على كل تعاليمه ( أوامره و نواهيه) و ثوابته في الكون و الإنسان و الحياة والمجتمع .. و تبيانا لكل شيء يحتاجه الإنسان لنيل مرضاة الله و العودة إلى الجنة التي خرج منها بسبب خطيئة أبينا ادم .. بعدما كان – عز وجل - قد علم ادم عليه السلام فهم أبجديات كتابه حتى يستطيع فهم تلك التعاليم المضمنة لكتابه عز و جل.. و قد تعهدا –ادم و حواء- باتباع أوامر الله الذي استخلفهما فيها حتى ينالا رضاه يوم لقاه.. و من ثم العودة للحياة و الخلود في الجنة التي خرجا منها بسبب معصيتهما لله ..واتباعهما لوساوس الشيطان – عدوهما اللدود- .
لقد بدا الصراع بين الحق و الباطل منذ أن بدأت الحياة على الأرض.. و قد ألهب شرارة هذا الصراع ابنا ادم عليه السلام.. و بدأ الصراع بين متبع لهداية الله المفصلة في الكتاب المنزل وخائف من عقابه.. و بين متبع لهواه و أنانيته.. لا يهمه ارضي الله أم سخط ..!
و لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .. اقتضت حكمة الله أن يبعث رسلا من البشر يذكرون أقوامهم بتعاليم الله و ثوابته في شتى مجالات الحياة الدنيا.. و قد اجتبى الله هؤلاء الرسل من بين الناس لما تحلوا به من طهرو عفة مقارنة بمعاصريهم من ذوي الألباب .. إن مهمة هؤلاء الرسل عليهم السلام تتمثل أساسا في تذكير أقوامهم بآيات الله البينات و المتظمنة لكل تعاليم الله مبتدئا بنوح عليه السلام و مختتما بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن تعاليم الله التي ذكر بها نوح – عليه السلام – قومه هي نفسها التي أوحى الله بها إلى محمد صلى الله عليه و سلم- القرآن - . . وهي ثوابت صار على هديها كل الصالحين عبر مختلف العصور و ألازمان و في كل مكان.. إن السير طبق تلك الثوابت الالاهية ( آيات بينات ) ماضيا و حاضرا و مستقبلا .. و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها هي الضامن الوحيد لرضوان الله و الفوز بجنته يوم يحشر الناس لرب العالمين ... و هي الضامن الوحيد لوحدة الأمة الإسلامية في العصر الحاضر و العصور اللاحقة وهي الضامن الوحيد لقوة الأمة الإسلامية و وحدتها و عدم تشرذمها كما هو واقعها الآن بفعل عدم استمساكها بالقرآن..
إن مبادئ الله و ثوابته في الكون و الإنسان و الحياة و المجتمع هي مبادئ عامة لكل البشر منذ خلق ادم عليه السلام وهي مفصلة تفصيلا دقيقا في كل الكتب السماوية قبل أن ينالها التحريف و التأويل و التشويه من قبل بعض أتباع الرسل السابقين على محمد صلى الله عليه و سلم .. لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم * القرآن* معجز و غير قابل للتحريف أو التأويل أو التشويه... متحديا الإنس و الجن أن يأتوا بسورة من مثله لان محمدا صلى الله عليه و سلم هو آخر المرسلين لبني البشر .. و كتابه * القرآن *هو آخر الكتب السماوية المنزلة على بني ادم.. من اتبعها فقد هدي إلى الصراط المستقيم و من زاغ عنها بدعوى الحداثة و الاجتهاد و التأويل فقد ضل ضلالا مبينا..!!
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
لقد اخترتم أن تكونوا من أتباع من أرسله ربه " رحمة للعالمين " و لقد أحياكم ربكم و جعل لكم نورا تمشون به بين الناس فما الذي أزرى بحالكم و حولكم إلى جثث هامدة تابعة إلى أنظمة و حكومات كافرة تتبع أهواءها في سن القوانين و التشريعات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و لا تقيم أي وزن لشريعة الله المفصلة تفصيلا في كتابه العزيز ?!
ما سبب قبولكم أن تكونوا عبيدا و خدما و جنودا في جيوش فراعنة العصر الحديث الذين تنكروا لربوبية الله خالق الكون و الإنسان و الحياة و ادعت لنفسها الربوبية بتحكمها في خلق الله طبقا لقوانين و تشريعات يسننونها حسب أهوائهم و قد أعلنوا عداءهم لكل ماهو رباني مسلم ?!
أيها الأحبة
أيها المسلمين
أيتها المسلمات
لقد استبيحت أرضكم و أعراضكم من قبل مشركين نجس و انتهبت ثرواتكم ممن يعلن العداء لله و لرسوله و للمؤمنين و انتم صامتون أو متواطئون أو منغمسون في جمع فتات موائد هؤلاء الأنجاس الذين قد حولوا أرضكم إلى فيء منتهب من قبل قوى الاستعمار و الاستكبار العالمي... !!??
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
بماذا ستجيبون ربكم القوي العزيز يوم تقفون بين يديه للحساب.. و قد وعدكم بالنصر الأكيد إن انتم نصرتم دينه و أقمتم حدوده واتبعتم منهجه..???
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
إن ربكم واحد و قرانكم واحد و رسولكم واحد فلماذا انقسمتم إلى أمم متفرقة و نحل متنافرة و أحزاب متقاتلة مما حولكم إلى اضعف الأمم و أذلها.. باسها بينها شديد و قد قال ربكم " و لا تتفرقوا فتذهب ريحكم "!!!
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
لقد بنى نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم – قدوة كل المؤمنين في العالم - الإنسان المؤمن الموحد لله رب العالمين و الخاضع لأوامر الله و نواهيه خلال ما اصطلح على تسميته بالفترة المكية ثم بحث عن النصرة لدين الله فوجدها بالمدينة المنورة أين أقام دولة الإسلام على ضوء القرآن المدني الذي رسم له و للمؤمنين كل تفاصيل و معالم المجتمع الإسلامي اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. و انتم لا تزالون راضين بان تكونوا تابعين لأنظمة بشرية تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.. و ليسوا بخارجين منها إلا بالقطيعة التامة معها مهما كانت مسمياتها.. : ( ملكية.. استبدادية..ديمقراطية. .حداثية أو غيرها ).
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
لقد اهلك الله من قبل من هو اشد قوة من أمريكا و انقلترا و روسيا و فرنسا.. و اغرق فرعون و هامان و جنودها و خسف بقارون و بداره الأرض... لما وجدت الفئة المؤمنة الموحدة لله رب العالمين... فهل تنتظرون أن يهلك الله هؤلاء المستكبرين في الأرض و انتم قد أصبحتم جزءا لا يتجزأ من شعوبهم تؤمنون بأنظمتهم و تطبقون قوانينهم و تستمسكون بأخلاقهم.. و تتبعون أهواءكم .. و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ?!
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
تخافون أمريكا و إسرائيل و لا تخافون الواحد الأحد القوي العزيز الجبار.. تعملون ألف حساب لأنظمة لقيطة تابعة و لا تخافون من الملك الديان.. مالك الملك.. ثم تزعمون أنكم مسلمون ?!! تتعهدون و انتم واقفون بين يدي الله - للصلاة- بطاعته و الخضوع لشريعته ثم تنكصون على أعقابكم في جميع تفاصيل حياتكم و تنتهكون حدود الله و حرماته ظاهرا و باطنا .. فكيف ينصركم الله ??!
أيها الأحبة
أيها المسلمون
أيتها المسلمات
ثوبوا إلى رشدكم و انصروا دين الله لينصركم الله و يمكن لكم في الأرض كما مكن لأسلافكم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. و السلام على من اتبع الهدى
امة واحدة
إن شريعة الله واحدة لا تتغير و لا تتبدل لأنها مبنية على حقائق الكون
و الإنسان و الحياة و حقيقة خلق الإنسان و الحياة: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". علم المولى عز و جل ادم الأسماء كلها و شرع لأمة الإسلام ما وصى به كل الأنبياء عليهم السلام: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه "( سورة الشورى الآية 13). و يذكر الله المسلمين دائما أن القرآن الكريم هو كتاب الله جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة و الإنجيل و كل الكتب السابقة: " إن هذا لف الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى "( سورة الأعلى الآية 18 و19). بل إن عقيدة المسلمين مبنية أساسا على الإيمان بالله و جميع الكتب و الرسل السابقين.. و الرسول محمد – صلى الله عليه و سلم – مأمور بإتباع الوحي و الحذر من أن يفتنه الكفار عن بعض ما انزل الله إليه و الإقتداء بالأنبياء من قبله: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ( سورة الأنعام الآية 90)...
و الحاصل أن شريعة الله مكتملة منذ خلق ادم – عليه السلام – و أوامر الله و نواهيه ثابتة لا تتبدل و لا تتغير و بالتالي ليس هناك إمكانية للاجتهاد في الدين لان الاجتهاد معناه استنباط أحكام جديدة تختلف باختلاف المجتهد كما أن الاجتهاد معناه الطعن في قول الله عز وجل: " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين "( سورة النحل الآية 89). و قوله عز وجل " و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله "( سورة الشورى الآية 10 ), فالله عز وجل لا يفرط في كتابه العزيز من شيء و كل شيء قد فصله تفصيلا.. و الحلال بين و الحرام بين و لا يعبد الله إلا بما شرع ,و اجتهاد الإنسان المؤمن يجب أن يقتصر على ما من شانه أن يرتقي بنوعية حياته الاجتماعية و الاقتصادية والعلمية .. كاستنباط طرق و وسائل حديثة و متطورة في ميدان الفلاحة و الصناعة و تيسير تنقل الإنسان و المعرفة.. و إحداث وسائل جديدة لطلب العلم و المعرفة.. و بلوغ ما وراء العرش تطورا و ازدهارا...
إن فكرة الاجتهاد في الدين – الخاطئة – كانت وراء كل المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية - قديما و حديثا – كما كانت وراء تفرق الأمة الإسلامية الواحدة إلى ملل و نحل باسها بينها شديد: " إن هذه أمتكم امة واحدة و أنا ربكم فاعبدون "فما أباحه الله فهو حلال إلى يوم القيامة و ما حرمه الله فهو حرام إلى يوم القيامة.. فالمشرع في الإسلام واحد احد لا يشاركه في التشريع انس و لا جان و لا ملائكة.. و لقد ارتكب هذه الخطيئة الشنيعة – خطيئة الاجتهاد في الدين – اليهود و النصارى من قبلنا مما أوقعهم في عبادة غير الله: "اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم..."
إن التمسك بقول الثابت من قبل جميع المؤمنين في العالم هو السبيل الوحيد لإيجاد امة إسلامية واحدة موحدة في تصورها للكون و الإنسان و الحياة و إتباع السلوك القويم المنبثق عن مفاهيم القرآن الكريم حتى يمكن الله لنا في الأرض كما وعد عباده الصالحين و يجعل بقية الأمم تسير على منهاجها القويم لأنه منهاج الله العزيز الحكيم
------------------------------------
نزال ثوابت إسلامية على واقع معيشي غير إسلامي!!??
من اكبر الأخطاء و أخطرها التي ارتكبها الإسلاميون في العصر الحديث و لا يزالون يرتكبونها: محولاتهم المستمرة " إنزال ثوابت الإسلام و حقائقه الكبرى على واقع بلادهم المعيشي و الذي صار لا يمت لمفاهيم الإسلام بأية صلة .. الشيء الذي جعلهم في أعين الناس " مجرمين.. و قتلة.. و متطرفين.. "عوض أن يكونوا رحمة للناس و لأنفسهم .. كما هي الغاية من بعثة محمد نبي الإسلام عليه السلام!
فليس صدفة أن يتنزل القرآن الكريم خلال مرحلتين أساسيتين.. مرتبطتان ببعضهما كأشد ما يكون الارتباط..
- المرحلة الأولى وهي المرحلة المكية و قد سمي القرآن الموحى به خلالها بالقرآن المكي ( سور مكية).
- المرحلة الثانية وهي المرحلة المدنية و قد سمي القرآن الموحى به خلالها بالقرآن المدني ( سور مدنية).
و لقد شاءت حكمة الله ان يركز القرآن المكي في أذهان المؤمنين ( المسلمين) وحدانية الله رب كل شيء في الوجود.. و الخالق الوحيد لكل الموجودات.. و مصدر النعم كلها.. الظاهرة و الباطنة.. و كل ما عدا الله هي أرباب مزيفة لا قدرة لها على النفع أو الضر..أو حتى إنقاذ نفسها من قدر الله.. و بالتالي فان المؤمن بالله هو ذلك الذي يعبد الله وحده و لا يشرك به أحدا.. و لا يخضع في حياته الدنيا إلا لأوامر الله و نواهيه.. كما أن الله هو المصدر الوحيد للتشريع و تحديد مفاهيم الحياة للمؤمنين.. على عكس ما يذهب إليه "علماء الحضارة الإسلامية " من أن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ( أو إجماع الأمة..) مصدر من مصادر التشريع في الإسلام !!?? وهو افتراء كبير على الله و على الرسول صلى الله عليه و سلم الذي كان همه منصبا أساسا على توحيد الله و بالتالي وحدة المشرع.. فالقرآن كان يذكر دائما و باستمرار أن الله عز و جل قد اختص بالتشريع دون سواه " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه.. " ( سورة الشورى الآية 13 ).
فالرسول عليه الصلاة و السلام و كل الرسل من قبله ملزمون بإتباع الوحي / كلام الله حتى تتحقق هدايتهم و هداية من يتبعونهم من البشر... و لا يحيد عن كلام الله إلا هالك ! إن الرسل سلام الله عليهم يكونون في ضلال قبل نزول الوحي عليهم.. و تتحقق هدايتهم بعد نزول الوحي عليهم و استمساكهم بالوحي.. " ووجدك ضالا فهدى " ... " إن اتبع إلا ما يوحى إلي " و القرآن كثيرا ما حذر النبي محمد عليه السلام و الأنبياء من قبله من مخالفة أوامر الله .. و هددهم بالويل و الخزي دنيا و آخرة إن هم اعملوا عقولهم و خالفوا ما أوحى الله به إليهم من ثوابت و حقائق لا يحيد عنها إلا هالك ! و لو كان ملكا من ملائكة الرحمان.. لان الملائكة أنفسهم: " لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون " ( سورة التحريم الآية 6).
لما ثبت القرآن المكي في أفئدة المؤمنين بالله أن الله هو الرب الوحيد و المشرع الوحيد لعباده المؤمنين.. أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى المدينة لملاقاة "أنصار الله" من المؤمنين و المهاجرين و من أهل المدينة.. و هناك بالمدينة بدا القرآن المدني في رسم معالم المجتمع الإسلامي المنشود و تحديد علاقات المؤمنين بعضهم ببعض في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و غيرها.. و علاقات المؤمنين بغيرهم.. و بدا التشريع الإسلامي في النزول سادا الطريق أمام أي اجتهاد بشري في تحديد القوانين و المفاهيم المحددة لكل سلوكيات المؤمنين في أدق التفاصيل الحياتية.. في الأسرة و المجتمع و الاقتصاد و الإرث و الحروب و السياسة... و حتى الطريقة السليمة لممارسة الجنس والولادة و الحيض و الرضاعة و التحية و الزيارة...و كل شؤون الحياة.. و قد رسم القرآن للمؤمنين طريق تحقيق العزة في الدنيا و الفوز بالجنة في الآخرة..
انك لتعجب حين تجد أن" المسلمين" قد فهموا خطا منذ بدايات الدعوة الإسلامية أن الله قد أباح لعباده المؤمنين " الاجتهاد في الدين"!!?? رغم أن القرآن نجده يحذر في أكثر من مناسبة من إتباع الهوى / الاجتهاد " افرايت من اتخذ الاهه هواه " .. " و إذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"!! " و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك" " لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات.." "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " ....
فإذا كان الأنبياء عليهم السلام مأمورون بإتباع الوحي و عدم إعمال العقل في أي مسالة تخص حياة المؤمنين لان كتاب الله قد فصل القول في كل صغيرة و كبيرة و ما فرط الله في كتابه من شيء.. فان الأولى بالمؤمنين عدم الاجتهاد في أي مسالة تخص حياة المؤمنين الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ما دام كتاب الله قد فصل فيها القول تفصيلا..
إذن تنتفي في الإسلام الفكرة القائلة بإمكانية الاجتهاد لاستنباط الحلول بدعوى مواكبة العصر..!! لقد كان لهذه الفكرة الخاطئة *الاجتهاد في الإسلام * دورا أساسيا في ظهور الفرق و الطوائف الدينية عبر مختلف أحقاب التاريخ الإسلامي.. و قد ساهمت في تمزيق وحدة الأمة الإسلامية و تشرذمها إلى ملل و نحل متقاتلة.. متعادية مما حول "امة الإسلام" إلى لقمة سائغة بيد "المغول و المستكبرين في الأرض" قديما و حديثا.. !!
و لكي يعود* للأمة الإسلامية*مجدها ووحدتها و قوتها و قيادتها للأمم و الشعوب نحو الخير و الصلاح و رحمة الله ... لا بد من العودة إلى مفاهيم القرآن و الاستمساك بها في بناء عقيدة الإنسان المسلم الموحد لله و من ثم إقامة الدولة /المؤسسات الساهرة على تنفيذ شريعة الله و تطبيق آيات الله البينات في جميع شؤون الحياة الدنيا.. بدءا بإيجاد الأمة التي تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تؤمن بالله و انتهاء بإقامة دولة التوحيد التي تنبثق كل مفاهيمها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية و غيرها عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.. تنزيل من عزيز حميد..
إن محاولة إنزال آيات القرآن المدني على أناس لم تعد تربطهم بمفاهيم الإسلام إلا صلة الإرث و القرابة و من قبل " دعاة"يحرقون المراحل.. و متغافلون عن سيرة الرسول / القدوة صلى الله عليه و سلم الذي قام بتغيير عقائد المؤمنين قبل أن يأمره مولاه بتطبيق القانون عليهم" القرآن المدني"... هي بمثابة عملية تشويه مقصودة لمبادئ الإسلام العظيم لتحقيق مآرب دنيوية و مصالح فئوية لا تهتم بإخلاص العمل لله عز و جل.. و لقد شاءت حكمة الله أن يعيش من سلك غير سبيل المؤمنين.. أن يعيش الخزي في الدنيا و الآخرة حتى و إن زعم انه مؤمن!!!.
خطاب إلى قادة حركة حماس
لقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين. و لقد استطاع هذا النبي الأمي خلال 23 سنة من بعثته أن يحول الأميين في جزيرة العرب إلى خير امة أخرجت للناس في التاريخ البشري كله.. فلماذا تحولت حركتكم إلى نقمة على الشعب الفلسطيني – شعب الجبارين- و انتم تحملون نفس ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم!?
و الجواب بكل بساطة ووضوح:" لان محمدا قد بنى شعبا بدءا من بناء الإنسان المؤمن, و انتم بنيتم سلطة انطلاقا من شعب ورث الإسلام..!!"
لقد اتبع محمد صلى الله عليه و سلم ما أوحي إليه من ربه خطوة بخطوة لأنه يعلم علم اليقين أن ما انزله الله عليه من آيات بينات هو النور الذي يضيء له دروب الحياة المدلهمة و يحميه من السقوط في في متاهاتها الكثيرة.. لأنه من عند الله العزيز الحكيم الذي يعلم غيب السماوات و الأرض و يعرف حقيقة هذه الحياة.
لقد قام محمد صلى الله عليه و سلم ببناء* الإنسان المؤمن*الذي يؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله.. و غير مفاهيمه عن الكون و الإنسان و الحياة بمفاهيم القرآن المكي الذي يكشف للمؤمن حقائق الوجود.. و افرغ ذهنه من المعتقدات الباطلة التي لا صلة لها بحقائق الوجود.. و ملا عقله بمفاهيم الإيمان الصحيح و ما يترتب عن هذا الإيمان من سلوك قويم في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.. حتى إذا ما اكتمل له بناء الإنسان المؤمن الذي يستنير في حياته كلها بآيات الذكر الحكيم كلفه ربه بالهجرة إلى المدينة التي احتضنت المؤمنين بدعوته صلى الله عليه و سلم و تكوين السلطة /الدولة التي تحتكم إلى شرع الله داخليا و خارجيا.. و في كل ميادين الحياة..
و في المدينة / الدولة سعى الرسول / القدوة إلى تأسيس جيش قوامه "مؤمنون"باعوا أنفسهم و أموالهم و كل ما يملكون لله رب العالمين مقابل الفوز برضوانه يوم لقاه :"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم و ذلك هو الفوز العظيم" (سورة التوبة الآية 111 ).
أما انتم في حركة حماس فقد سعيتم منذ بداية تأسيس حركتكم إلى تكوين " مجاهدين" يجتهدون في معصية الله و مخالفة أوامره.. بقتل أنفسهم في سبيل القدس و ليس في سبيل الله مع أن الرسول /القدوة صلى الله عليه و سلم لم يسع يوما إلى تكوين مجاهدين يقاتلون في سبيل البيت الحرام- و قد كانت بأيدي المشركين- رغم أنها اشرف عند الله من بيت المقدس.. و الله يقول:"و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"( سورة النساء الآية 29). كما نهى الله عز و جل عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و انتم تقتلون - في الغالب الأعم – أناس أبرياء لا صلة لهم بالحرب الوهمية التي تخوضونها ضد إسرائيل !
كما ترشح قادة حركتكم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني وهو مؤسسة تشريعية لا تحكم بما انزل الله:"و من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة الآية 44 ). :"و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة و لكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم فيما كنتم فيه تختلفون. و أن احكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم و إن كثيرا من الناس لفاسقون. افحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "( سورة المائدة الآيات 48 و49 و50 ).
فالمؤمنون أبدا لم و لن يكونوا في حاجة لمجلس تشريعي لان الله هو المشرع الوحيد في الإسلام – لذلك سمي بدين الوحدانية- و المؤمنون ملزمون جميعا بالاحتكام إلى شريعة الله المفصلة تفصيلا في القرآن المدني و الخضوع التام لها.
و هكذا تكون حركة حماس و إن رفعت الإسلام شعارا لها فهي لا تخضع لأوامر الله و نواهيه في حركتها و اختياراتها.. بقتل ناشطيها لأنفسهم في عمليات انتحارية قصد قتل أناس أبرياء في الغالب الأعم نهى الله عن قتلهم , و قد حرم الله الجنة عن قاتل نفسه أو قاتل نفس بريئة عمدا !
إن منهج الإسلام واضح في تأسيس السلطة الإسلامية /الدولة.. تبتدئ بإيجاد المؤمنين بالله ..المستمسكين بالوحي.. الخاضعين لشريعة الله و تنتهي بإنشاء الهياكل التي تسهر على رعاية شؤون المسلمين طبقا لشريعة الله و ثوابته و إنزال آيات الله /الثوابت في الواقع المعيش للناس حتى تعمهم الرحمة التي بعث من اجلها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم...ثم إيجاد الجيش الذي يحمي الدولة الإسلامية من المعتدين...
لذلك أهيب بالعقلاء من أبناء حركة حماس أن يعتزلوا العمل في الحكومة الفلسطينية و يعملوا على تكوين المؤمنين الصادقين قبل التفكير في إيجاد سلطة لا تحكم بشريعة الله.
.